الاثنين، 24 نوفمبر 2008

غسيل الاموال


جريمة غسل الأموال


دراسة موضوعية لمفهومها والجرائم ذات الصلة بها وآثارها

إعداد سامي بن فهد العقيلي برنامج الدكتوراه في قسم السياسة الشرعية للعام الدراسي 1429/1230هـ






جريمة غسل الأموال
دراسة موضوعية لمفهومها والجرائم ذات الصلة بها وآثارها
إعداد
سامي بن فهد العقيلي
برنامج الدكتوراه في قسم السياسة الشرعية للعام الدراسي 1429/1230هـ

















بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
ومن سيئات أعمالنا ..
من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ،
وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه
وعلى آله وصحبه أجمعين
المدخل :
لما كانت أحكام فروع المآخذ القضائية على وجه الخصوص محض إطلاقات وعموميات تتناول أنواعا" من الوقائع القضائية لا تنحصر كما " وكيفا".
وهي لا تقوم إلا معيّنة مشخّصة ولكل معيّن منها خصوصية ليست في غيره .
وهذا التعيين ليس معتبرا" في آحاد الأحكام بإطلاق ولا مطردا" بإطلاق
فحينا" هذا وحينا" ذاك وحينا" يأخذ من كل طرف بجهة .
ثم لا تبقى صورة أو قضية إلا وهي مشمولة بالإنتاج القضائي يعرض للجرائم الثابتة والجرائم المفوضة ومنها (جريمة غسل الأموال) التي تعتبر من أهم وأخطر الجرائم المالية في العصر الحديث
وقد اعتمدت في بحثي هذا أن يكون قراءة تحليلية للنظام الخاص بها وهو نظام مكافحة غسل الأموال الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/39 في25/6/1424
رغبة مني في الاستفادة من هذا النظام بشكل مكثف والاعتماد على إشاراته وإيماءاته مع الرجوع إلى بعض المراجع والمصادر التي عالجت الموضوع والاستئناس بها


















مفهوم غسل الأموال ( تبيض الأموال)
غسيل الأموال هو نشاط إجرامي لاحق لنشاط جمع مال بطرق غير مشروعة، وخوفا من المسائلة عن مصدر الأموال كان لزاما إضفاء مشروعية على هذا المال حتى يسهل التعامل معه من دون إضفاء الشكوك والأدلة القانونية على الأعمال الجرمية السابقة.
تعريف غسيل الأموال
غسيل الأموال هي إعادة تدوير الأموال الناتجة عن الأعمال غير المشروعة في مجالات وقنوات استثمار شرعية لإخفاء المصدر الحقيقي لهذه الأموال ولتبدو كما لو كانت قد تولدت من مصدر مشروع ومن أمثلة هذه الأعمال غير المشروعة (الأموال الناتجة عن تجارة المخدرات - الرقيق - الدعارة - الأسلحة) ومن أبرز الآثار المترتبة على هذه الظاهرة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً ما يلي:
استقطاعات من الدخل القومي ونزيف للاقتصاد الوطني لصالح الاقتصاديات الخارجية.
زيادة السيولة المحلية بشكل لا يتناسب مع الزيادة في إنتاج السلع والخدمات.
التهرب من سداد الضرائب المباشرة ومن ثم معاناة خزانة الدولة من نقص الإيرادات العامة عن مجمل النفقات العامة.
شراء ذمم رجال الشرطة والقضاء والسياسيين مما يؤدي إلى ضعف كيان الدولة واستشراء خطر جماعات الإجرام المنظم

جرائم غسيل الاموال ( Money Laundering )
تعتبر جرائم غسيل الاموال ( Money Laundering ) اخطر جرائم عصر الاقتصاد الرقمي ، انها التحدي الحقيقي أمام مؤسسات المال والاعمال ، وهي ايضا امتحان لقدرة القواعد القانونية على تحقيق فعالية مواجهة الانشطة الجرمية ومكافحة انماطها المستجدة ، وغسيل الاموال ، جريمة ذوي الياقات البيضاء ، تماما كغيرها من الجرائم الاقتصادية التي ترتكب من محترفي الاجرام الذين لا تتواءم سماتهم مع السمات الجرمية التي حددتها نظريات علم الاجرام والعقاب التقليدية.
وغسيل الاموال ايضا ، جريمة لاحقة لانشطة جرمية حققت عوائد مالية غير مشروعة ، فكان لزاما اسباغ المشروعية على العائدات الجرمية او ما يعرف بالاموال القذرة ، ليتاح استخدامها بيسر وسهولة ، ولهذا تعد جريمة غسيل الاموال مخرجا لمازق المجرمين المتمثل بصعوبة التعامل مع متحصلات جرائمهم خاصة تلك التي تدر اموالا باهظة ، كتجارة المخدرات وتهريب الاسلحة والرقيق وانشطة الفساد المالي ومتحصلات الاختلاس وغيرها. وتجدر الاشارة هنا ان الذهن العام بخصوص جرائم غسيل الاموال ارتبط بجرائم المخدرات ، بل ان جهود المكافحة الدولية لغسيل الاموال جاءت ضمن جهود مكافحة المخدرات ولهذا نجد ان موضع النص دوليا على قواعد واحكام غسيل الاموال جاء ضمن اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بمكافحة المخدرات ، ومبرر ذلك ان انشطة المخدرات هي التي اوجدت الوعاء الاكبر للاموال القذرة بفعل متحصلات عوائدها العالية ، غير ان هذه الحقيقة آخذة في التغيير ، اذ تشير الدراسات التحليلية الى ان انشطة الفساد المالي والوظيفي خاصة في الدول النامية من قبل المتنفذين والمتحكمين بمصائر الشعوب ادت الى خلق ثروات باهظة غير مشروعة تحتاج لتكون محلا لغسيل الاموال كي يتمكن اصحابها من التنعم بها ، وكذلك ، اظهر التطور الحديث لجرائم التقنية العالية ( جرائم الكمبيوتر والانترنت ) ان عائدات هذه الجرائم من الضخامة بمكان تتطلب انشطة غسيل الاموال خاصة ان مقترفيها في الغالب ليس لديهم منافذ الانفاق الموجودة لدى عصابات المخدرات ، وذات القول يرد بخصوص انشطة الارهاب وتجارة الاسلحة وتجارة الرقيق والقمار خاصة مع شيوع استخدام الانترنت التي سهلت ادارة شبكات عالمية للانشطة الاباحية وانشطة القمار غير الشرعية .
وغسيل الاموال ايضا ، نشاط اجرامي تعاوني ، تتلاقى فيه الجهود الشريرة لخبراء المال والمصارف ، وخبراء التقنية - في حالات غسيل الاموال بالطرق الالكترونية - وجهود اقتصاديي الاستثمار المالي ، الى جانب جهود غير الخبراء من المجرمين ، ولهذا تطلبت مثل هذه الجرائم دراية ومعرفة لمرتكبيها ولهذا ايضا تطلبت عملا وتعاونا يتجاوز الحدود الجغرافية ، مما جعلها جريمة منظمة تقارفها منظمات جرمية متخصصة ، وجريمة عابرة للحدود ذات سمات عالية ، ومن هنا ايضا ليس بالسهل مكافحتها دون جهد دولي وتعاون شامل يحقق فعالية انشطة المكافحة
ويعد تعريف دليل اللجنة الاوروبية لغسيل الاموال الصادر لعام 1990 الاكثر شمولا وتحديدا لعناصر غسيل الاموال من بين التعريفات الاخرى التي تضمنتها عدد من الوثائق الدولية والتشريعات الوطنية ، ووفقا للدليل المذكور فان غسيل الاموال (( عملية تحويل الاموال المتحصلة من انشطة جرمية بهدف اخفاء او انكار المصدر غير الشرعي والمحظور لهذه الاموال او مساعدة أي شخص ارتكب جرما ليتجنب المسؤولية القانونية عن الاحتفاظ بمتحصلات هذا الجرم )) [1] وعملية الاخفاء او الانكار تمتد لحقيقة او مصدر او موقع او حركة او ترتيبات او طبيعة الحقوق المتحصلة من هذه الاموال او ملكيتها مع توفر العلم ان هذه الاموال متحصلة من جريمة جنائية ، ووفقا لهذا التعريف فان غسيل الاموال بالمعنى البسيط هو اظهار المال الناتج عن جرائم جنائية - كترويج المخدرات او الارهاب او الفساد او غيرها - بصورة اموال لها مصدر قانوني ومشروع
وبالنظر لمفهوم غسل الأموال المركب نجد ما يلي :
1. أن مفهوم غسل الأموال من المفاهيم المعاصرة التي تم استحداثها لنوع جديد من الجرائم التي يمكن أن تتسم بنوع من التركيب
2. لم يعرف الفقهاء هذا المصطلح وليس في كتب الفقه الجنائي ذكر له
3. بتحليل البناء القانوني لمفهوم غسل الأموال الوارد في المادة الأولى من نظام مكافحة غسل الأموال الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/39 في25/6/1424هـنجد أنه عرفه بما يلي :
(غسل الأموال:ارتكاب أي فعل أو الشروع فيه يقصد من ورائه إخفاء أو تمويه أصل حقيقة أموال مكتسبة خلافا" للشرع أو النظام وجعلها تبدو وكأنها مشروعة المصدر )[2]
نخلص إلى ما يلي :
§ أن مفهوم غسل الأموال باعتبار مدلوله القانوني يشمل نوعين أساسين :
الأول :الفعل الجرمي
وهذه ميزة في هذا النظام الذي لم يحصرها في الأموال محل الجريمة و الناتجة عن الاتجار بالمخدرات فحسب بل جعله عاما" ليشمل كافة الأفعال الجرمية
الثاني الشروع في الفعل الجرمي حتى لو لم يقم به
وفي هذا اشارة إلى الركن المادي
§ اشمل التعريف على بيان القصد الجرمي ونص على نوعيها
الأول :إخفاء الحقيقة وعدم تبيانها
الثاني :التمويه والخداع لتضليل جهات الضبط الجنائي
وفي هذا اشارة للركن المعنوي
§ اشتمل التعريف على المخالفة المجرمة وهي المخالفة للشرع أو النظام وهذا يشمل الأفعال المجرمة قانونا وليس في الشرع تجريم لها

الآثار الاقتصادية والاجتماعية لهذه الجريمة
§ كشف تقرير رسمي أمريكي أن حجم تجارة غسيل الأموال وصل إلي 3.61 تريليونات دولار وهو أكبر من الميزانية الأمريكية في وقت من الأوقات وما يعادل 5% من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد العالمي.
§ وأكد التقرير الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية ورفعته للكونجرس أن غسيل الأموال تضاعف بشكل صاروخي علي مدى العقد السابق بعد أن كان يبلغ 300 - 500 مليار دولار في عام 1997، مشيراً إلي أنه أصبح من الواضح بشكل متزايد أن المعادن النفيسة والأحجار الكريمة تستخدم لغسيل الأموال ونقل القيمة وتمويل الأرهاب.
§ وشدد التقرير علي أن نشر الاحصاءات المتعلقة بجرائم غسيل الأموال الملاحقات القضائية من شأنه أن يسهل تقييم وتعزيز إلي الجوانب القضائية في نظام مكافحة غسيل الأموال، كما طالب التقرير الحكومة السعودية التصديق علي اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.



صلة عقوبة هذه الجريمة بفقه السياسة الشرعية
ما من ريب أن فقه السياسة الشرعية باب واسع للاجتهادات فيما لا نص فيه من كتاب أو سنة وقد أصل فقهاء الإسلام فكرة راسخة في هذا .
يقول أبو العباس ابن تيمية:
(الواجب تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها .
فإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما ودفع أعظم المفسدتين مع احتمال أدناهما : هو المشروع )[3].
وبنظرة تحليلية لبنية هذا النقل عن هذا العالم المجتهد نجد أن الشريعة الإسلامية مبناها على الموازنة والمقارنة بين المصالح والمفاسد .
فإذا وجد ولي الأمر مصلحة متحققة أو راجحة في تقنين تنظيم معين فإن له ذلك تمشياً مع القاعدة الفقهية الأصيلة أن تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة ومن هنا جاء سن بعض الأنظمة ومنها نظام مكافحة غسل الأموال إذ أنه من السياسة العادلة الكاملة


يقول ابن القيم [4]رحمه الله تعالى :
( ومن له ذوق في الشريعة واطلاع على كمالاتها وتضمنها لغاية مصالح العباد في المعاش والمعاد ومجيئها بغاية العدل الذي يفصل بين الخلائق وأنه لا عدل فوق عدلها ولا مصلحة فوق ما تضمنته من المصالح : تبين له أن السياسة العادلة جزء من أجزائها وفرع من فروعها وأن من له معرفة بمقاصدها ووضعها وحسن فهمه فيها لم يحتج معها إلى سياسة غيرها البتة)[5] .
ومن خلال تأمل هذا النقل نستطيع الخروج بالنتائج الآتية :
1- أن عقوبة هذه الجريمة هو جزء من أجزاء السياسة الشرعية العادلة وفرع من فروعها.
2- أن فقه السياسة الشرعية قائم على تحصيل المصالح وتكميلها ودرء المفاسد أو تقليلها وإجراء أي تعديل في النصوص النظامية والقانونية المتعلقة بهذه الجريمة لا بد أن يحقق هذه الغايات العظيمة .
3- أن هذه الأنظمة والقوانين ومنها نظام مكافحة غسل الأموال يعتبر أساساً من وضعية التشريع ومنبعها التعمق في مقاصد الدين الإسلامي والاطلاع على كمالاته .
4- أن الذوق الفقهي المشرع للأنظمة ، ومنها نظام مكافحة غسل الأموال محكوم بمعرفة المقاصد الدينية والغايات الشرعية ومنضبط بإدراك أدوات التفكير العلمي وآليات الاجتهاد الفقهي .
5- أن السياسة الشرعية تغني عن كافة الأساليب الوضعية والمنهجيات الأرضية التي تفرز الكثير من الأنظمة التي تخضع لكثير من المآخذ .
6- أنه لا بد من القراءة الموضوعية والمنهجية الاطلاعية للمضامين الفقهية المرنة في أبواب الفقه المتعددة وخاصة في باب السياسة الشرعية .
ويمكن أن يقال :
أن عقوبة جريمة غسل الأموال شأنها شأن كافة العقوبات التعزيرية فهي من الفقه المفوض وليست من الفقه الثابت .

جريمة غسل الأموال جريمة فرعية
تعتبر جرائم غسيل الاموال ( Money Laundering ) اخطر جرائم عصر الاقتصاد الرقمي ، انها التحدي الحقيقي أمام مؤسسات المال والاعمال ، وهي ايضا امتحان لقدرة القواعد القانونية على تحقيق فعالية مواجهة الانشطة الجرمية ومكافحة انماطها المستجدة ،
وغسيل الاموال ، جريمة كغيرها من الجرائم الاقتصادية التي ترتكب من محترفي الاجرام الذين لا تتواءم سماتهم مع السمات الجرمية التي حددتها نظريات علم الاجرام والعقاب التقليدية ،
وغسيل الاموال ايضا ، جريمة لاحقة لانشطة جرمية حققت عوائد مالية غير مشروعة ، فكان لزاما اسباغ المشروعية على العائدات الجرمية او ما يعرف بالاموال القذرة ، ليتاح استخدامها بيسر وسهولة ، ولهذا تعد جريمة غسيل الاموال مخرجا لمازق المجرمين المتمثل بصعوبة التعامل مع متحصلات جرائمهم خاصة تلك التي تدر اموالا باهظة ، كتجارة المخدرات وتهريب الاسلحة والرقيق وانشطة الفساد المالي ومتحصلات الاختلاس وغيرها. وتجدر الاشارة هنا ان الذهن العام بخصوص جرائم غسيل الاموال ارتبط بجرائم المخدرات ، بل ان جهود المكافحة الدولية لغسيل الاموال جاءت ضمن جهود مكافحة المخدرات ولهذا نجد ان موضع النص دوليا على قواعد واحكام غسيل الاموال جاء ضمن اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بمكافحة المخدرات ، ومبرر ذلك ان انشطة المخدرات هي التي اوجدت الوعاء الاكبر للاموال القذرة بفعل متحصلات عوائدها العالية ، غير ان هذه الحقيقة آخذة في التغيير ، اذ تشير الدراسات التحليلية الى ان انشطة الفساد المالي والوظيفي خاصة في الدول النامية من قبل المتنفذين والمتحكمين بمصائر الشعوب ادت الى خلق ثروات باهظة غير مشروعة تحتاج لتكون محلا لغسيل الاموال كي يتمكن اصحابها من التنعم بها ، وكذلك ، اظهر التطور الحديث لجرائم التقنية العالية ( جرائم الكمبيوتر والانترنت ) ان عائدات هذه الجرائم من الضخامة بمكان تتطلب انشطة غسيل الاموال خاصة ان مقترفيها في الغالب ليس لديهم منافذ الانفاق الموجودة لدى عصابات المخدرات ، وذات القول يرد بخصوص انشطة الارهاب وتجارة الاسلحة وتجارة الرقيق والقمار خاصة مع شيوع استخدام الانترنت التي سهلت ادارة شبكات عالمية للانشطة الاباحية وانشطة القمار غير الشرعية .
وغسيل الاموال ايضا ، نشاط اجرامي تعاوني ، تتلاقى فيه الجهود الشريرة لخبراء المال والمصارف ، وخبراء التقنية - في حالات غسيل الاموال بالطرق الالكترونية - وجهود اقتصاديي الاستثمار المالي ، الى جانب جهود غير الخبراء من المجرمين ، ولهذا تطلبت مثل هذه الجرائم دراية ومعرفة لمرتكبيها ولهذا ايضا تطلبت عملا وتعاونا يتجاوز الحدود الجغرافية ، مما جعلها جريمة منظمة تقارفها منظمات جرمية متخصصة ، وجريمة عابرة للحدود ذات سمات عالية ، ومن هنا ايضا ليس بالسهل مكافحتها دون جهد دولي وتعاون شامل يحقق فعالية انشطة المكافحة .
لا احد يعرف الحجم الحقيقي للمبالغ التي يجري غسلها عبر انشطة غسيل الاموال الجرمية ، ولكن ثمة اتفاق عالمي انها مبالغ ضخمة بالمليارات ، والتقدير الحالي انها تبلغ نحو 100 بليون في امريكا وحوالي 300 بليون في العالم ، وجرائم غسيل الاموال ليست حكرا على الدول الصناعية او مجتمعات الثروة ، بل انها تتسع وتنمو في بنية الدول التي يسهل النفاذ عبر ثغرات نظامها القانوني .
وبالرغم من ان اشكال وانماط ووسائل غسيل الاموال متغيرة وعديدة ، وثمة اتجاه عريض لتحويل الاموال القذرة الى اصول مالية ( مواد ثمينة ) ، وموجودات عقارية او نحو ذلك ، فان البيئة المصرفية تظل الموضع الاكثر استهدافا لانجاز انشطة غسيل الاموال من خلالها ، واذا كانت البنوك مخزن المال ، فانه من الطبيعي ان توجه انشطة غاسلي الاموال القذرة الى البنوك على امل اجراء سلسلة من عمليات مصرفية تكتسي بنتيجتها الاموال القذرة صفة المشروعية .
ولهذا تعد البنوك المستهدف الرئيسي في عمليات غسيل الاموال ، ويرجع ذلك الى دور البنوك المتعاظم في تقديم مختلف الخدمات المصرفية وتحديدا عمليات الصرف والتحويل النقدي بواسطة الشيكات والشيكات السياحية ( الاجنبية ) والحوالات المالية خاصة بالوسائل الالكترونية وبطاقات الائتمان والوفاء وعمليات المقاصة وادارة المحافظ الاستثمارية وتداول العملات والاسهم وغيرها ، وهذه الخدمات يتسع مداها ونطاقها في عصر المعلومات وتتحول الى انماط اكثر سهولة من حيث الاداء واقل رقابة من حيث آلية التنفيذ خاصة في ميدان البنوك الالكترونية او بنوك الويب على شبكة الانترنت ، ومثل هذه العمليات بشكليها التقليدي والالكتروني خير وسيلة لتستغل بغرض من اجل اخفاء المصدر غير المشروع للمال .
ومن جهة اخرى ، فان البنوك ذاتها ، تعد راس الحربة في مكافحة انشطة غسيل الاموال ، لحماية نفسها أولا من المخاطر المالية والمسؤوليات القانونية المترتبة على خوضها او مشاركتها في هكذا انشطة ، وللمشاركة الفاعلة في الجهد الدولي لمكافحة جرائم غسيل الاموال.
وتحتاج البنوك لمعرفة معمقة وشاملة بشان الاليات التي تتبع لغسيل الاموال ، مع الادراك انها اليات متغيرة ومعقدة غالبا ما تنشا من فكرة احتيالية او جرمية تولدت عن معرفة معمقة لصاحبها بالعمل المصرفي ان لم يكن قد لجا لخبرة مصرفية مميزة للحصول على الفكرة . من هنا كانت عمليات غسيل الاموال في الحقل المصرفي وليدة ( خبرة ) مصرفية ، ومن هنا ايضا فان كشفها ومنعها يحتاج ( خبرة ) مصرفية ، وهذه الحقيقة تدفعنا للقول ان غسيل الاموال ومكافحته صراع بين خبرات فنية من ذات المصدر والبيئة مع تباين في الهدف ، فغسيل الاموال جهد شرير ومكافحته جهد خير ، وبين الخير والشر ثمة مساحة من الاجتهاد والحركة يجب ان تسد دائما لصالح الخبرة الخيرة اذا ما اريد لانشطة المكافحة ان تنجح وتحقق فعالية مميزة .[6]


ومن الملاحظ أنه عند اطلاق مثل هذا الوصف على جريمة غسل الأموال فإنه يعني أن هذا النوع من الجرائم يعد من الجرائم المركبة إذ أنها فرع عن جرائم كثيرة تعتبر أصل لها
ومن تلك الجرائم:
الدعارة :
فتستعمل جريمة غسل الأموال للتمويه عن الأموال المستفادة من بيع الهوى
المخدرات :
وتكون عمليه غسيل الأموال في هذه الحال غطاء للإتجار بالمواد المخدرة [7]المجرمة بالنظام الصادر بها [8]
الرشاوى :
فيكون المال المستفاد عن طريق الرشوة يأخذ قالب الشرعية عن طريق الدخول في تعاملات في ظاهرها شرعية .
وقد جاء النص عليه على وجه الخصوص في نظام مكافحة في الفقرة (هـ)من المادة الثانية :
(الاشتراك بطريق الاتفاق أو المساعدة أو التحريض أو تقديم الرشوة أو النصح أو التسهيل أو التواطؤ أو التستر أو الشروع في ارتكاب أي فعل من الأفعال المنصوص عيها في هذه المادة.)[9]
وذلك في إطار التعريف بمرتكب جريمة غسل الأموال فشمل التعريف به المرتشي المسهل لعملية غسل الأموال وهذا يظهر سر العلاقة الوثيقة بين الرشوة وغسل الأموال


التزوير :
وقد صدر نظام خاص يجرم التزوير وهو خاص بمكافحة التزوير الصادر بالمرسوم الملكي رقم (114)في 26/11/1380هـ[10]

ولا يخفى أن التزوير من الجرائم المالية ذات الصلة الكبيرة بغسل الأموال التي تستفيد من إخراجه على الوجه الشرعي من حيث الشكل والظاهر
الجهود الدولية لمكافحة غسيل الاموال

يمكن القول ان عام 1988 يمثل سنة الارتكاز بالنسبة للجهود الدولية في حقل غسيل الاموال على ان يكون مفهوما ان الاهتمام الدولي والإقليمي والوطني في هذا الموضوع قد بدأ قبل هذا التاريخ بسنوات ولكنه بقي ضمن اطار البحث العلمي ورسم الخطط وبناء الاستراتيجيات دون ان يصل الى اطار دولي لتوحيد جهود المكافحة ، ففي عام 1988 وتحديدا في 19 /12/88 صدرت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة انشطة ترويج المخدرات ( اتفاقية فينا 1988 ) وتعد اهم اتفاقيات الأمم المتحدة باعتبارها قد فتحت الانظار على مخاطر انشطة غسيل الاموال المتحصلة من المخدرات واثرها المدمر على النظم الاقتصادية والاجتماعية للدول ، وهذه الاتفاقية لا تعد من حيث محتواها اتفاقية خاصة بغسيل الاموال اذ هي في الاساس اتفاقية في حقل مكافحة المخدرات ، بيد انها تناولت انشطة غسيل الاموال المتحصلة من تجارة المخدرات ، باعتبار ان تجارة المخدرات تمثل اكثر المصادر اهمية للاموال القذرة محل عمليات الغسيل . ومن المفيد ان نشير في هذا المقام ان الربط بين المخدرات وغسيل الاموال اوقع العديد من الدراسات القانونية في منزلق ادى الى تصور انشطة غسيل الاموال جزءا من انشطة المخدرات فقط ، لكن لم تلبث الجهود العلمية والبحثية ان تبينت التمييز بينهما بل تتجه الان للقول بظهور مصادر جديدة للاموال القذرة اكثر اهمية من المخدرات مثل انشطة المقامرة وتحديدا عبر الانترنت والانشطة الاباحية وانشطة الفساد الاداري والمالي وتحديدا من قبل القيادات المتنفذة المدنية والعسكرية في مختلف الدول وفي مقدمتها دول العالم النامي .

الى جانب جهد الأمم المتحدة ، وبعد عام واحد تقريبا تأسس اطار دولي لمكافحة جرائم غسل الاموال ( FINANCIAL ACTION TASK FORCE ON MAONEY LAUNDERING - FATF ) نشأ عن اجتماع الدول الصناعية السبعة الكبرى ، وقد عكفت هذه المنظمة على تحديد انشطة غسيل الاموال وفتحت عضويتها للدول الراغبة ، وشئ فشيء وعبر خبرائها ولجان الرقابة اخذت تكشف عن اوضاع غسيل الاموال في دول العالم كل ذلك عبر الية التقارير السنوية التي تصدرها وتحظى باهتمام الجهات الحكومية والتشريعية في مختلف دول العالم ، ففي تقريرها لعام 2000 مثلا حددت هذه المنظمة 15 دولة غير متعاونة في ميدان مكافحة انشطة غسيل الاموال من بينها دولة عربية واحدة هي لبنان التي بدورها تقدمت للمنظمة بايضاحات واعتراضات على وضعها ضمن هذه القائمة السوداء . ويرجع لهذه المنظمة الفضل في وضع اول دليل ارشادي لانشطة غسيل الاموال وهو في الحقيقة توصيات ( التوصيات الاربعون ) يجري الاعتماد عليها في وضع استراتيجيات المكافحة والتدابير التشريعية ويعتمد عليها من قبل المؤسسات المالية والمصرفية لتقيم ادائها في هذا الحقل .

أما من حيث الجهد القانوني فيظهر بشكل بارز في اطار الاتحاد الأوروبي ، حيث صدر عام 1990 الاتفاقية الاوروبية المتعلقة باجراءات التفتيش والضبط الجرمي لغسيل الاموال وحددت الاطار الدولي للتعاون في حقل مكافحة الانشطة الجرمية لغسيل الاموال ومثلت الاطار القانوني الارشادي للبرلمانات الاوروبية في معرض اتخاذه التدابير وسن التشريعات للتعاون من اجل مكافحة جرائم غسيل الاموال . وعلى هدي التوصيات الاربعين الصادرة عن اطار الذي انشأته مجموعة الدول الصناعية السبعة صدر عن اللجنة الاوروبية / الاتحاد الأوروبي دليل الحماية من استخدام النظام المالي في انشطة غسيل الاموال لعام 1991 وقد هدف هذا الدليل الارشادي الى وضع اطار قانوني لجهات مكافحة غسيل الاموال في دول الاعضاء وقد جرى تطبيق محتواه في العديد من التشريعات الاوروبية منها قانون العدالة الجنائية البريطاني لعام 1993
ومن حيث الجهد المالي وعلى صعيد الهيئات المتخصصة فان اللجنة الدولية للنظام البنكي والممارسات الاشرافية اصدرت مبادئ ارشادية للحماية من جرائم غسيل الاموال في كانون اول عام 1988 عرفت باسم ( BASLE STATEMENT OF PRINCIPLES )
وفي المرحلة الحالية ثمة جهود واسعة في الاطار المالي والتكنيكي لمكافحة غسيل الاموال وتحديدا لاستخدام الوسائل الالكترونية تبذل من قبل الهيئات المالية الدولية غير الربحية او التجارية مثل هيئة سويفت التي عكفت على اجراء دراسات واصدار سياسات وتوجيهات ارشادية في ميدان الدفع النقدي الالكتروني والاموال الالكترونية ووسائل واليات غسيل الاموال باستخدام شبكات المعلومات وفي مقدمتها الانترنت واستخدام التقنيات الحديثة لتبادل البيانات المالية ، ويتقاطع مع هذا الجهد مع الجهود المبذولة في حقل البنوك الالكترونية وبنوك الانترنت المتخذة من قبل الهيئات المتخصصة والخبراء في البنك الدولي وبنك التسويات ومختلف منظمات النظام الاقتصادي والتجاري الدولي وكذلك منظمات وهيئات وشبكات النشاط المصرفي سواء غير الربحية او التجارية .

6. الاطار القانوني لمكافحة جرائم غسيل الاموال

ان بناء اطار قانوني عربي لمكافحة جرائم غسيل الاموال لا بد ان يكون واضح المعالم متسما بالشمولية والاحاطة يتحقق من خلاله فعالية المكافحة وسلامة النتائج .

هذا الاطار يتعين ان ينطلق ابتداءا من استراتيجية واضحة المعالم تحدد مصادر الخطر ، انماط عمليات الغسيل ، المراحل التنفيذية لها ، الترتيبات التي يتخذها غاسلوا الاموال ومعاونيهم ، والبناء القانوني القائم بما يحتويه من ثغرات تمكن لغاسلي الاموال النفاذ من خلالها لتحقيق انشطتهم غير المشروعة . فاذا ما وقفنا على المحتواة الفني لعلميات الغسيل والواقع القانوني القائم الذي يتيح النفاذ ، انتقلنا الى تبين خصائص النظام المالي العربي والانشطة المصرفية العربية والواقع القانوني المتصل بها لتبين اوجه التخصيص الخاصة بالبيئة العربية ، وبتكامل هاتين الصورتين تتضح لنا النتائج فتتحدد امامنا وبشكل دقيق الصور الجرمية المتعين اتخاذ التدابير لمكافحتها فيجري عندئذ تحديدها بشكل دقيق لننتقل الى الجزء الثاني من الاستراتيجية وهو اليات المكافحة ، وهي هنا اليات مركبة ادارية ومالية وقانونية ، يستتبعها اليات تعاون وطني واقليمي ودولي ، تترابط حلقاته وتتشابك محققة في الوقت ذاته توازن بين اهمية المكافحة وفعاليتها من جهة ، وموجبات حماية السيادة الوطنية والاقتصاد الوطني من جهة اخرى .

وبناء هكذا استراتيجية يتعين ان يعتمد على خبرات وكفاءات بحثية وعلمية وعملية من مختلف القطاعات تحقق القدرة على الاحاطة بمختلف ابعاد المسألة ، القانونية والفنية والادارية ، وهو اطار يجيد معرفة الواقع ويتميز بسعة الاطلاع على عالم ما وراء الحدود ، فيستفيد من الانشطة المتخذة في دول اخرى وفي النظم المقارنة دون ان يغفل الخصائص الذاتية للمجتمع المحلي وللاطار الاقليمي الذي تتبع له الدولة .

فاذا تحقق وجود مثل هذه الاستراتيجية كان من الواجب ان ننتقل الى اليات تنفيذها ، وهو ما يستتبع استثمار كل جهد او اطار وطني وعربي وعالمي ، وتنفيذ الاستراتيجيات يتحقق لاتخاذ التدابير التشريعية القوانين او الانظمة او التعليمات ) وابرام اتفاقيات التعاون الثنائية والاقليمية والدولية ، وتنفيذ برامج التوعية العامة ، وتنفيذ برامج التأهيل والتدريب للاشخاص والجهات التي تنيط به الاستراتيجية مهمة المكافحة او الرقابة على الانشطة المالية او مهمة الاخبار عن الانشطة المشكوك بها ، ويمثل الاطار التدريبي والتأهيلي احد اهم روافع فعالية انشطة المكافحة ، فلا قيمة للتدليل الارشادي النظري او للاستراتيجية المفرغة على الاوراق او للقوانين المحفوظة بين دفتي كتاب اذا لم تتحقق للمرتبطين بها قدرة التنفيذ العملي لمحتواها ، ويتمتد التدريب الى موظفي المؤسسات المالية والمصرفية بمختلف مراتبهم ووظائفهم والى جهات الضابطة العدلية والقضائي والقانون والى الجهات الحكومية وجهات القطاع الخاص في ان معا .

عندما كان الاستيلاء على المال هدف لعصابات السطو ، سؤل احد اشهر مجرمي عمليات السطو في امريكا عن سبب استهدافه للبنوك ، فقال انه هناك توجد النقود ، ومع تغيير النمط الجرمي من عمليات السطو التقليدية الى جرائم اصحاب الياقات البيضاء وتحديدا الجرائم الاقتصادية وجرائم الكمبيوتر ، سؤل احد اشهر ( الهاكرز) عن سبب استهدافه البنوك ايضا ، فقال انها مخزن للبيانات المالية ، ولو عاد الزمان وسألنا ال كابون عن سبب استهدافه المصارف في انشطة غسيل اموال المافيا لقال انها المدخل الى دمج المال القذر بالاموال المشروعة .

. الاستراتيجيات المصرفية لمكافحة جرائم غسيل الاموال

· سلوكيات لازمة لمواجهة خطر غسيل الاموال

لدى المصارف عادة ادلة توجيهية بشان انشطة غسيل الاموال والمسائل المتعين ملاحظتها وايلاؤها الاهتمام واخضاعها لمزيد من الفحص والتدقيق عند حصولها من قبل احد الزبائن ، ومهم الاشارة هنا ان هذه الادلة التوجيهية التي تصدر عن منظمات وهيئات مصرفية وتنظيمية وقانونية لا تتضمن عادة كافة الانشطة والوسائل نظرا لتسارع وتنامي وتغير انشطة غسيل الاموال الجرمية ، ونظرا ايضا لان هذه الادلة لا تكون بعيدة ايضا عن ايدي غاسلي الاموال ومنظماتهم الجرمية .وليس المقام لاعادة استعراض هذه القواعد والتوجيهات فهي متوفرة بين ايدي المصرفيين ، لكننا نقف على اكثر السلوكيات اهمية في سياسة الحماية من غسيل الاموال خاصة تلك التي تظهر في البيئة المصرفية العربية اكثر من غيرها .

· لا تهاون في التثبت من شخص العميل وخاصة الاشخاص المعنوية

اول واهم عنصر من عناصر ضمان عدم الوقوع في منزلقات انشطة غسيل الاموال ، عدم تهاون المصرف في التوثق من شخص العميل وتحديدا لدى بدء التعامل ، واذا كانت المصارف العربية تولي اهتماما بشان الاشخاص الطبيعية فان اهتمامها ليس بذات القدر بشان الاشخاص المعنوية وتحديدا الشركات والمؤسسات والجمعيات ، مع ان الخطر في الغالب قد يكون لدى هذه الفئة ، ان الشركات الوهمية او مؤسسات وشركات وجمعيات المواجهة احد اهم وسائل غاسلي الاموال ، وقد لوحظ في السنوات الاخيرة اتجاه عريض نحو فتح حسابات لشركات اجنبية غير مقيمة او لشركات اشخاص ( وطنيين ) منشاة في الخارج او المناطق الحرة او غيرها بالاكتفاء بوثائق غير كافية لمعرفة البنك لعمياه بالشكل المطلوب ، والاخطر التجاوز في احيان كثيرة عن عناصر هامة للتوثق ، صحيح ان البنوك تتطلب وثائق مصدقة ، لكن كثيرا من السلوكيات تتجاوز اهمية التوثق من حقيقة وجود الشخص المعنوي ، مكتفية بالظاهر غالبا ، مع ان اهم ما دربت عليه المؤسسات المصرفية ان معرفة الزبون تتطلب معرفة سياسة عمله ونطاق نشاطه وليس معرفة شخصه فحسب .

· الحذر من العميل الذي يخفي المعلومات او يقدم معلومات غير كافية

هذه القاعدة تعرفها المؤسسات المصرفية ، لكنها في الحقيقة وفي الواقع العملي متجاوز عنها كثيرا ، لقد اظهرت الدراسات التحليلية لتقارير انشطة غسيل الاموال العالمية ان اكبر صفقات غسيل الاموال كان يمكن كشفها من قبل البنك بمجرد ملاحقة ما يظهر من عدمك دقة العميل في تزويد البنك بالمعلومات ، سواء المتعلقة بشخصه او عمله او نشاطه ، وليس معنى ذلك ان الزبون المتحفظ محل للشك ، لكننا هنا نقف امام ملاحظة قد تمثل مدخلا اساسيا للحماية ، فالزبون الممتنع عن تزويد معلومات بخصوص غرض العمل و عناصر الائتمان او عن مراكز العمل او غيرها مما تتطلبه الاعمال والخدمات المصرفية قد يخفي حقيقة ما تستلزم سيرها والتوقف عندها .

· نشاطات غسيل الاموال عادة ما تغاير الانشطة التي من اجلها بدا التعامل

تنبه الادلة الارشادية عادة الى وجوب اخذ الحذر من تغير انشطة الزبائن ومن الانشطة التي لا تتلاءم مع اعمالهم الاعتيادية ، وتتطلب التدقيق فيها ، وهذه في الحقيقة مشكلة في البيئة العربية ، البيئة التي يسعى ذوي المال فيها الى اصطياد كل فرصة لتحقيق الدخل بسبب عدم وضوح معالم الانشطة الاستثمارية وتارجح المشاريع بين الفشل والنجاح واتجاهات التغيير، لكن هذا الواقع لا يمنع البنك من الوقوف على انشطة زبونه ، مثل ورود او صدور حوالات - خاصة بالوسائل الالكترونية - بمبالغ كبيرة دون وضوح مصدرها او من مصدر لا يتواءم مع طبيعة نشاط العميل ، او اتجاه العميل الى تمويل صفقات او مشاريع بشكل مفاجيء تغاير انشطته التمويلية.

· اعتماد سياسة التقارير الدورية حول النشاط المصرفي وتحليل مخرجاتها .

تعلم البنوك ان ثمة عددا كبيرا من التقارير تستوجبها انشطة الاشراف على العمل المصرفي واخرى تتطلبها الادلة التوجيهية لمكافحة غسيل الاموال ، ويلاحظ في البيئة العربية انه وان كان ثمة التزام بتنظيم هذه التقارير بانواعها لكن ثمة ايضا استهانة بسياسات تحليلها واستظهار النتائج منها ومواصلة قراءة التغيرات الواقعية بين تغيير واخر ، وفي هذا الاطار فان تقارير الايداعات والسحوبات وتقارير النقد الخارجي والمقاصة وتقارير الحوالات مع بيان مصادرها وتحديدا البنك الاول الذي استلم النقد من العميل ، وتقارير الائتمان والاقراض وغيرها تساهم فيحال قراءتها المتفحصة التحليلية من المصرفيين الخبراء على كشف العمليات المريبة وعلى الاقل تحديد الموضع الذي يحتاج توثيقا وفحصا اكثر من غيره ومن ثم التحرك الفوري اذا ماتبين وجود فعل غير مشروع .

هذه السلوكيات الادبية ، حزء يسير مما تتضمنه عادة الادلة التوجيهية الموجودة بين ايدي المصرفيين ، لكن التساؤل ، لماذا هذه السلوكيات الاربعة دون غيرها ؟ انها مسالة تتصل بما يظهره واقع النشاط المصرفي العربي ، اذ قد لا تكون السلوكيات الاخرى ذات اثر في ظل رقابة البنك الداخلية وفي ظل سياساته العملية وكذلك في ظل انشطة الاشراف والرقابة من البنك المركزي .








المراجع
· المشعل، خالد، جرائم غسيل الأموال: المفهوم، الأسباب والآثار الاقتصادية. بحث منشور في مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية العدد (30) عام 1421هـ
· الاساليب المستحدثة في غسيل الاموال وكيفية التغلب عليها، بحث مقدم في الحلقة العلمية المعنونة بـ ( القواعد التنظيمية لمكافحة المخدرات وغسل الاموال) المنامة – البحرين ( شوال 1425).
· الرسالة التي تقدم بها باحث الدكتوراه عبدالله بن ثنيان الثنيان تحت عنوان (أحكام غسل الأموال - دراسة مقارنة بين نظام مكافحة غسل الأموال السعودي والانظمة والاتفاقيات الدولية
· نظام مكافحة غسل الأموال الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/39 في25/6/1424
· جرائم غسيل الاموال المحامي يونس عرب دراسة في ماهية ومخاطر جرائم غسيل الاموال والاتجاهات الدولية لمكافحتها وبيان بخطط المصارف لمواجهة هذه الجرائم
· الطرق الحكيمة في السياسة الشرعية لابن قيم الجوزية ص4 ، ط1 ، 1415هـ نشر دار الكتب العلمية بيروت .
· السياسة الشرعية تأليف تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية ص40 طبع ونشر وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد .
· الذيل على طبقات الحنابلة
· .الدرر الكامنة
· شذرات الذهب .
· ومعجم المؤلفين
· جرائم غسل الأموال في ضوء الشريعة والقانون
· اجراءات التحقيق في جريمة غسل الأموال في المملكة العربية السعودية مشعل بن عبد الله العتيبي
· أثر السرية المصرفية على مكافحة جرائم غسل الأموال , العتيبي سعود ذياب
· فاعلية إدارة التحريات والبحث الجنائي بالأمن العام في مكافحة جرائم غسل الأموال
· فاعلية التنسيق بين الأجهزة الأمنية ومؤسسة النقد العربي السعودي في مكافحة جرائم غسل الأموال
· جريمة غسل الأموال في النظام السعودي والإتفاقيات الدولية





[1] دليل اللجنة الأوربية لغسيل الأموال
[2] نظام مكافحة غسل الأموال الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/39 في25/6/1424
1- السياسة الشرعية تأليف تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية ص40 طبع ونشر وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد .
1- هو أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي ثم الدمشقي الحنبلي من فقهاء الحنابلة وأصوليهم ومجتهديهم البارزين وكان إلى جانب ذلك مفسراً ومتكلماً ونحوياً ومحدثاً ومشاركاً في علوم كثيرة . لازم الإمام ابن تيمية وأخذ عنه وسجن معه في قلعة دمشق توفي سنة 751هـ ودفن في سفح جبل قاسيون بدمشق .
من مؤلفاته :
(أعلام الموقعين عن رب العالمين ) و ( زاد المعاد في هدي خير العباد ) و ( إغاثة اللهفان من مكايد الشيطان ) و ( الطرق الحكمية ) وكتبه كثيرة تعد بالمئات .
راجع ترجمته :
1- الذيل على طبقات الحنابلة ( 2/447 ) .
2- والدرر الكامنة ( 5/137 ) .
3- وشذرات الذهب ( 6/168 ) .
4- ومعجم المؤلفين ( 9/106 ) .
2- الطرق الحكيمة في السياسة الشرعية لابن قيم الجوزية ص4 ، ط1 ، 1415هـ نشر دار الكتب العلمية بيروت .
[6] جرائم غسيل الأموال المحامي يونس عرب دراسة في ماهية ومخاطر جرائم غسيل الأموال والاتجاهات الدولية لمكافحتها وبيان بخطط المصارف لمواجهة هذه الجرائم
[7] نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية الصادر بالمرسوم الملكي رقم(م/39) في 8/7/1426هـ
[8] نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية الصادر بالمرسوم الملكي رقم(م/39) في 8/7/1426هـ
[9] نظام مكافحة غسل الأموال الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/39 في25/6/1424
[10]نظام مكافحة التزوير الصادر بالمرسوم الملكي رقم (114)في 26/11/1380هـ
جريمة غسل الأموال


دراسة موضوعية لمفهومها والجرائم ذات الصلة بها وآثارها

إعداد سامي بن فهد العقيلي برنامج الدكتوراه في قسم السياسة الشرعية للعام الدراسي 1429/1230هـ






جريمة غسل الأموال
دراسة موضوعية لمفهومها والجرائم ذات الصلة بها وآثارها
إعداد
سامي بن فهد العقيلي
برنامج الدكتوراه في قسم السياسة الشرعية للعام الدراسي 1429/1230هـ

















بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
ومن سيئات أعمالنا ..
من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ،
وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه
وعلى آله وصحبه أجمعين
المدخل :
لما كانت أحكام فروع المآخذ القضائية على وجه الخصوص محض إطلاقات وعموميات تتناول أنواعا" من الوقائع القضائية لا تنحصر كما " وكيفا".
وهي لا تقوم إلا معيّنة مشخّصة ولكل معيّن منها خصوصية ليست في غيره .
وهذا التعيين ليس معتبرا" في آحاد الأحكام بإطلاق ولا مطردا" بإطلاق
فحينا" هذا وحينا" ذاك وحينا" يأخذ من كل طرف بجهة .
ثم لا تبقى صورة أو قضية إلا وهي مشمولة بالإنتاج القضائي يعرض للجرائم الثابتة والجرائم المفوضة ومنها (جريمة غسل الأموال) التي تعتبر من أهم وأخطر الجرائم المالية في العصر الحديث
وقد اعتمدت في بحثي هذا أن يكون قراءة تحليلية للنظام الخاص بها وهو نظام مكافحة غسل الأموال الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/39 في25/6/1424
رغبة مني في الاستفادة من هذا النظام بشكل مكثف والاعتماد على إشاراته وإيماءاته مع الرجوع إلى بعض المراجع والمصادر التي عالجت الموضوع والاستئناس بها


















مفهوم غسل الأموال ( تبيض الأموال)
غسيل الأموال هو نشاط إجرامي لاحق لنشاط جمع مال بطرق غير مشروعة، وخوفا من المسائلة عن مصدر الأموال كان لزاما إضفاء مشروعية على هذا المال حتى يسهل التعامل معه من دون إضفاء الشكوك والأدلة القانونية على الأعمال الجرمية السابقة.
تعريف غسيل الأموال
غسيل الأموال هي إعادة تدوير الأموال الناتجة عن الأعمال غير المشروعة في مجالات وقنوات استثمار شرعية لإخفاء المصدر الحقيقي لهذه الأموال ولتبدو كما لو كانت قد تولدت من مصدر مشروع ومن أمثلة هذه الأعمال غير المشروعة (الأموال الناتجة عن تجارة المخدرات - الرقيق - الدعارة - الأسلحة) ومن أبرز الآثار المترتبة على هذه الظاهرة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً ما يلي:
استقطاعات من الدخل القومي ونزيف للاقتصاد الوطني لصالح الاقتصاديات الخارجية.
زيادة السيولة المحلية بشكل لا يتناسب مع الزيادة في إنتاج السلع والخدمات.
التهرب من سداد الضرائب المباشرة ومن ثم معاناة خزانة الدولة من نقص الإيرادات العامة عن مجمل النفقات العامة.
شراء ذمم رجال الشرطة والقضاء والسياسيين مما يؤدي إلى ضعف كيان الدولة واستشراء خطر جماعات الإجرام المنظم

جرائم غسيل الاموال ( Money Laundering )
تعتبر جرائم غسيل الاموال ( Money Laundering ) اخطر جرائم عصر الاقتصاد الرقمي ، انها التحدي الحقيقي أمام مؤسسات المال والاعمال ، وهي ايضا امتحان لقدرة القواعد القانونية على تحقيق فعالية مواجهة الانشطة الجرمية ومكافحة انماطها المستجدة ، وغسيل الاموال ، جريمة ذوي الياقات البيضاء ، تماما كغيرها من الجرائم الاقتصادية التي ترتكب من محترفي الاجرام الذين لا تتواءم سماتهم مع السمات الجرمية التي حددتها نظريات علم الاجرام والعقاب التقليدية.
وغسيل الاموال ايضا ، جريمة لاحقة لانشطة جرمية حققت عوائد مالية غير مشروعة ، فكان لزاما اسباغ المشروعية على العائدات الجرمية او ما يعرف بالاموال القذرة ، ليتاح استخدامها بيسر وسهولة ، ولهذا تعد جريمة غسيل الاموال مخرجا لمازق المجرمين المتمثل بصعوبة التعامل مع متحصلات جرائمهم خاصة تلك التي تدر اموالا باهظة ، كتجارة المخدرات وتهريب الاسلحة والرقيق وانشطة الفساد المالي ومتحصلات الاختلاس وغيرها. وتجدر الاشارة هنا ان الذهن العام بخصوص جرائم غسيل الاموال ارتبط بجرائم المخدرات ، بل ان جهود المكافحة الدولية لغسيل الاموال جاءت ضمن جهود مكافحة المخدرات ولهذا نجد ان موضع النص دوليا على قواعد واحكام غسيل الاموال جاء ضمن اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بمكافحة المخدرات ، ومبرر ذلك ان انشطة المخدرات هي التي اوجدت الوعاء الاكبر للاموال القذرة بفعل متحصلات عوائدها العالية ، غير ان هذه الحقيقة آخذة في التغيير ، اذ تشير الدراسات التحليلية الى ان انشطة الفساد المالي والوظيفي خاصة في الدول النامية من قبل المتنفذين والمتحكمين بمصائر الشعوب ادت الى خلق ثروات باهظة غير مشروعة تحتاج لتكون محلا لغسيل الاموال كي يتمكن اصحابها من التنعم بها ، وكذلك ، اظهر التطور الحديث لجرائم التقنية العالية ( جرائم الكمبيوتر والانترنت ) ان عائدات هذه الجرائم من الضخامة بمكان تتطلب انشطة غسيل الاموال خاصة ان مقترفيها في الغالب ليس لديهم منافذ الانفاق الموجودة لدى عصابات المخدرات ، وذات القول يرد بخصوص انشطة الارهاب وتجارة الاسلحة وتجارة الرقيق والقمار خاصة مع شيوع استخدام الانترنت التي سهلت ادارة شبكات عالمية للانشطة الاباحية وانشطة القمار غير الشرعية .
وغسيل الاموال ايضا ، نشاط اجرامي تعاوني ، تتلاقى فيه الجهود الشريرة لخبراء المال والمصارف ، وخبراء التقنية - في حالات غسيل الاموال بالطرق الالكترونية - وجهود اقتصاديي الاستثمار المالي ، الى جانب جهود غير الخبراء من المجرمين ، ولهذا تطلبت مثل هذه الجرائم دراية ومعرفة لمرتكبيها ولهذا ايضا تطلبت عملا وتعاونا يتجاوز الحدود الجغرافية ، مما جعلها جريمة منظمة تقارفها منظمات جرمية متخصصة ، وجريمة عابرة للحدود ذات سمات عالية ، ومن هنا ايضا ليس بالسهل مكافحتها دون جهد دولي وتعاون شامل يحقق فعالية انشطة المكافحة
ويعد تعريف دليل اللجنة الاوروبية لغسيل الاموال الصادر لعام 1990 الاكثر شمولا وتحديدا لعناصر غسيل الاموال من بين التعريفات الاخرى التي تضمنتها عدد من الوثائق الدولية والتشريعات الوطنية ، ووفقا للدليل المذكور فان غسيل الاموال (( عملية تحويل الاموال المتحصلة من انشطة جرمية بهدف اخفاء او انكار المصدر غير الشرعي والمحظور لهذه الاموال او مساعدة أي شخص ارتكب جرما ليتجنب المسؤولية القانونية عن الاحتفاظ بمتحصلات هذا الجرم )) [1] وعملية الاخفاء او الانكار تمتد لحقيقة او مصدر او موقع او حركة او ترتيبات او طبيعة الحقوق المتحصلة من هذه الاموال او ملكيتها مع توفر العلم ان هذه الاموال متحصلة من جريمة جنائية ، ووفقا لهذا التعريف فان غسيل الاموال بالمعنى البسيط هو اظهار المال الناتج عن جرائم جنائية - كترويج المخدرات او الارهاب او الفساد او غيرها - بصورة اموال لها مصدر قانوني ومشروع
وبالنظر لمفهوم غسل الأموال المركب نجد ما يلي :
1. أن مفهوم غسل الأموال من المفاهيم المعاصرة التي تم استحداثها لنوع جديد من الجرائم التي يمكن أن تتسم بنوع من التركيب
2. لم يعرف الفقهاء هذا المصطلح وليس في كتب الفقه الجنائي ذكر له
3. بتحليل البناء القانوني لمفهوم غسل الأموال الوارد في المادة الأولى من نظام مكافحة غسل الأموال الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/39 في25/6/1424هـنجد أنه عرفه بما يلي :
(غسل الأموال:ارتكاب أي فعل أو الشروع فيه يقصد من ورائه إخفاء أو تمويه أصل حقيقة أموال مكتسبة خلافا" للشرع أو النظام وجعلها تبدو وكأنها مشروعة المصدر )[2]
نخلص إلى ما يلي :
§ أن مفهوم غسل الأموال باعتبار مدلوله القانوني يشمل نوعين أساسين :
الأول :الفعل الجرمي
وهذه ميزة في هذا النظام الذي لم يحصرها في الأموال محل الجريمة و الناتجة عن الاتجار بالمخدرات فحسب بل جعله عاما" ليشمل كافة الأفعال الجرمية
الثاني الشروع في الفعل الجرمي حتى لو لم يقم به
وفي هذا اشارة إلى الركن المادي
§ اشمل التعريف على بيان القصد الجرمي ونص على نوعيها
الأول :إخفاء الحقيقة وعدم تبيانها
الثاني :التمويه والخداع لتضليل جهات الضبط الجنائي
وفي هذا اشارة للركن المعنوي
§ اشتمل التعريف على المخالفة المجرمة وهي المخالفة للشرع أو النظام وهذا يشمل الأفعال المجرمة قانونا وليس في الشرع تجريم لها

الآثار الاقتصادية والاجتماعية لهذه الجريمة
§ كشف تقرير رسمي أمريكي أن حجم تجارة غسيل الأموال وصل إلي 3.61 تريليونات دولار وهو أكبر من الميزانية الأمريكية في وقت من الأوقات وما يعادل 5% من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد العالمي.
§ وأكد التقرير الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية ورفعته للكونجرس أن غسيل الأموال تضاعف بشكل صاروخي علي مدى العقد السابق بعد أن كان يبلغ 300 - 500 مليار دولار في عام 1997، مشيراً إلي أنه أصبح من الواضح بشكل متزايد أن المعادن النفيسة والأحجار الكريمة تستخدم لغسيل الأموال ونقل القيمة وتمويل الأرهاب.
§ وشدد التقرير علي أن نشر الاحصاءات المتعلقة بجرائم غسيل الأموال الملاحقات القضائية من شأنه أن يسهل تقييم وتعزيز إلي الجوانب القضائية في نظام مكافحة غسيل الأموال، كما طالب التقرير الحكومة السعودية التصديق علي اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.



صلة عقوبة هذه الجريمة بفقه السياسة الشرعية
ما من ريب أن فقه السياسة الشرعية باب واسع للاجتهادات فيما لا نص فيه من كتاب أو سنة وقد أصل فقهاء الإسلام فكرة راسخة في هذا .
يقول أبو العباس ابن تيمية:
(الواجب تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها .
فإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما ودفع أعظم المفسدتين مع احتمال أدناهما : هو المشروع )[3].
وبنظرة تحليلية لبنية هذا النقل عن هذا العالم المجتهد نجد أن الشريعة الإسلامية مبناها على الموازنة والمقارنة بين المصالح والمفاسد .
فإذا وجد ولي الأمر مصلحة متحققة أو راجحة في تقنين تنظيم معين فإن له ذلك تمشياً مع القاعدة الفقهية الأصيلة أن تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة ومن هنا جاء سن بعض الأنظمة ومنها نظام مكافحة غسل الأموال إذ أنه من السياسة العادلة الكاملة


يقول ابن القيم [4]رحمه الله تعالى :
( ومن له ذوق في الشريعة واطلاع على كمالاتها وتضمنها لغاية مصالح العباد في المعاش والمعاد ومجيئها بغاية العدل الذي يفصل بين الخلائق وأنه لا عدل فوق عدلها ولا مصلحة فوق ما تضمنته من المصالح : تبين له أن السياسة العادلة جزء من أجزائها وفرع من فروعها وأن من له معرفة بمقاصدها ووضعها وحسن فهمه فيها لم يحتج معها إلى سياسة غيرها البتة)[5] .
ومن خلال تأمل هذا النقل نستطيع الخروج بالنتائج الآتية :
1- أن عقوبة هذه الجريمة هو جزء من أجزاء السياسة الشرعية العادلة وفرع من فروعها.
2- أن فقه السياسة الشرعية قائم على تحصيل المصالح وتكميلها ودرء المفاسد أو تقليلها وإجراء أي تعديل في النصوص النظامية والقانونية المتعلقة بهذه الجريمة لا بد أن يحقق هذه الغايات العظيمة .
3- أن هذه الأنظمة والقوانين ومنها نظام مكافحة غسل الأموال يعتبر أساساً من وضعية التشريع ومنبعها التعمق في مقاصد الدين الإسلامي والاطلاع على كمالاته .
4- أن الذوق الفقهي المشرع للأنظمة ، ومنها نظام مكافحة غسل الأموال محكوم بمعرفة المقاصد الدينية والغايات الشرعية ومنضبط بإدراك أدوات التفكير العلمي وآليات الاجتهاد الفقهي .
5- أن السياسة الشرعية تغني عن كافة الأساليب الوضعية والمنهجيات الأرضية التي تفرز الكثير من الأنظمة التي تخضع لكثير من المآخذ .
6- أنه لا بد من القراءة الموضوعية والمنهجية الاطلاعية للمضامين الفقهية المرنة في أبواب الفقه المتعددة وخاصة في باب السياسة الشرعية .
ويمكن أن يقال :
أن عقوبة جريمة غسل الأموال شأنها شأن كافة العقوبات التعزيرية فهي من الفقه المفوض وليست من الفقه الثابت .

جريمة غسل الأموال جريمة فرعية
تعتبر جرائم غسيل الاموال ( Money Laundering ) اخطر جرائم عصر الاقتصاد الرقمي ، انها التحدي الحقيقي أمام مؤسسات المال والاعمال ، وهي ايضا امتحان لقدرة القواعد القانونية على تحقيق فعالية مواجهة الانشطة الجرمية ومكافحة انماطها المستجدة ،
وغسيل الاموال ، جريمة كغيرها من الجرائم الاقتصادية التي ترتكب من محترفي الاجرام الذين لا تتواءم سماتهم مع السمات الجرمية التي حددتها نظريات علم الاجرام والعقاب التقليدية ،
وغسيل الاموال ايضا ، جريمة لاحقة لانشطة جرمية حققت عوائد مالية غير مشروعة ، فكان لزاما اسباغ المشروعية على العائدات الجرمية او ما يعرف بالاموال القذرة ، ليتاح استخدامها بيسر وسهولة ، ولهذا تعد جريمة غسيل الاموال مخرجا لمازق المجرمين المتمثل بصعوبة التعامل مع متحصلات جرائمهم خاصة تلك التي تدر اموالا باهظة ، كتجارة المخدرات وتهريب الاسلحة والرقيق وانشطة الفساد المالي ومتحصلات الاختلاس وغيرها. وتجدر الاشارة هنا ان الذهن العام بخصوص جرائم غسيل الاموال ارتبط بجرائم المخدرات ، بل ان جهود المكافحة الدولية لغسيل الاموال جاءت ضمن جهود مكافحة المخدرات ولهذا نجد ان موضع النص دوليا على قواعد واحكام غسيل الاموال جاء ضمن اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بمكافحة المخدرات ، ومبرر ذلك ان انشطة المخدرات هي التي اوجدت الوعاء الاكبر للاموال القذرة بفعل متحصلات عوائدها العالية ، غير ان هذه الحقيقة آخذة في التغيير ، اذ تشير الدراسات التحليلية الى ان انشطة الفساد المالي والوظيفي خاصة في الدول النامية من قبل المتنفذين والمتحكمين بمصائر الشعوب ادت الى خلق ثروات باهظة غير مشروعة تحتاج لتكون محلا لغسيل الاموال كي يتمكن اصحابها من التنعم بها ، وكذلك ، اظهر التطور الحديث لجرائم التقنية العالية ( جرائم الكمبيوتر والانترنت ) ان عائدات هذه الجرائم من الضخامة بمكان تتطلب انشطة غسيل الاموال خاصة ان مقترفيها في الغالب ليس لديهم منافذ الانفاق الموجودة لدى عصابات المخدرات ، وذات القول يرد بخصوص انشطة الارهاب وتجارة الاسلحة وتجارة الرقيق والقمار خاصة مع شيوع استخدام الانترنت التي سهلت ادارة شبكات عالمية للانشطة الاباحية وانشطة القمار غير الشرعية .
وغسيل الاموال ايضا ، نشاط اجرامي تعاوني ، تتلاقى فيه الجهود الشريرة لخبراء المال والمصارف ، وخبراء التقنية - في حالات غسيل الاموال بالطرق الالكترونية - وجهود اقتصاديي الاستثمار المالي ، الى جانب جهود غير الخبراء من المجرمين ، ولهذا تطلبت مثل هذه الجرائم دراية ومعرفة لمرتكبيها ولهذا ايضا تطلبت عملا وتعاونا يتجاوز الحدود الجغرافية ، مما جعلها جريمة منظمة تقارفها منظمات جرمية متخصصة ، وجريمة عابرة للحدود ذات سمات عالية ، ومن هنا ايضا ليس بالسهل مكافحتها دون جهد دولي وتعاون شامل يحقق فعالية انشطة المكافحة .
لا احد يعرف الحجم الحقيقي للمبالغ التي يجري غسلها عبر انشطة غسيل الاموال الجرمية ، ولكن ثمة اتفاق عالمي انها مبالغ ضخمة بالمليارات ، والتقدير الحالي انها تبلغ نحو 100 بليون في امريكا وحوالي 300 بليون في العالم ، وجرائم غسيل الاموال ليست حكرا على الدول الصناعية او مجتمعات الثروة ، بل انها تتسع وتنمو في بنية الدول التي يسهل النفاذ عبر ثغرات نظامها القانوني .
وبالرغم من ان اشكال وانماط ووسائل غسيل الاموال متغيرة وعديدة ، وثمة اتجاه عريض لتحويل الاموال القذرة الى اصول مالية ( مواد ثمينة ) ، وموجودات عقارية او نحو ذلك ، فان البيئة المصرفية تظل الموضع الاكثر استهدافا لانجاز انشطة غسيل الاموال من خلالها ، واذا كانت البنوك مخزن المال ، فانه من الطبيعي ان توجه انشطة غاسلي الاموال القذرة الى البنوك على امل اجراء سلسلة من عمليات مصرفية تكتسي بنتيجتها الاموال القذرة صفة المشروعية .
ولهذا تعد البنوك المستهدف الرئيسي في عمليات غسيل الاموال ، ويرجع ذلك الى دور البنوك المتعاظم في تقديم مختلف الخدمات المصرفية وتحديدا عمليات الصرف والتحويل النقدي بواسطة الشيكات والشيكات السياحية ( الاجنبية ) والحوالات المالية خاصة بالوسائل الالكترونية وبطاقات الائتمان والوفاء وعمليات المقاصة وادارة المحافظ الاستثمارية وتداول العملات والاسهم وغيرها ، وهذه الخدمات يتسع مداها ونطاقها في عصر المعلومات وتتحول الى انماط اكثر سهولة من حيث الاداء واقل رقابة من حيث آلية التنفيذ خاصة في ميدان البنوك الالكترونية او بنوك الويب على شبكة الانترنت ، ومثل هذه العمليات بشكليها التقليدي والالكتروني خير وسيلة لتستغل بغرض من اجل اخفاء المصدر غير المشروع للمال .
ومن جهة اخرى ، فان البنوك ذاتها ، تعد راس الحربة في مكافحة انشطة غسيل الاموال ، لحماية نفسها أولا من المخاطر المالية والمسؤوليات القانونية المترتبة على خوضها او مشاركتها في هكذا انشطة ، وللمشاركة الفاعلة في الجهد الدولي لمكافحة جرائم غسيل الاموال.
وتحتاج البنوك لمعرفة معمقة وشاملة بشان الاليات التي تتبع لغسيل الاموال ، مع الادراك انها اليات متغيرة ومعقدة غالبا ما تنشا من فكرة احتيالية او جرمية تولدت عن معرفة معمقة لصاحبها بالعمل المصرفي ان لم يكن قد لجا لخبرة مصرفية مميزة للحصول على الفكرة . من هنا كانت عمليات غسيل الاموال في الحقل المصرفي وليدة ( خبرة ) مصرفية ، ومن هنا ايضا فان كشفها ومنعها يحتاج ( خبرة ) مصرفية ، وهذه الحقيقة تدفعنا للقول ان غسيل الاموال ومكافحته صراع بين خبرات فنية من ذات المصدر والبيئة مع تباين في الهدف ، فغسيل الاموال جهد شرير ومكافحته جهد خير ، وبين الخير والشر ثمة مساحة من الاجتهاد والحركة يجب ان تسد دائما لصالح الخبرة الخيرة اذا ما اريد لانشطة المكافحة ان تنجح وتحقق فعالية مميزة .[6]


ومن الملاحظ أنه عند اطلاق مثل هذا الوصف على جريمة غسل الأموال فإنه يعني أن هذا النوع من الجرائم يعد من الجرائم المركبة إذ أنها فرع عن جرائم كثيرة تعتبر أصل لها
ومن تلك الجرائم:
الدعارة :
فتستعمل جريمة غسل الأموال للتمويه عن الأموال المستفادة من بيع الهوى
المخدرات :
وتكون عمليه غسيل الأموال في هذه الحال غطاء للإتجار بالمواد المخدرة [7]المجرمة بالنظام الصادر بها [8]
الرشاوى :
فيكون المال المستفاد عن طريق الرشوة يأخذ قالب الشرعية عن طريق الدخول في تعاملات في ظاهرها شرعية .
وقد جاء النص عليه على وجه الخصوص في نظام مكافحة في الفقرة (هـ)من المادة الثانية :
(الاشتراك بطريق الاتفاق أو المساعدة أو التحريض أو تقديم الرشوة أو النصح أو التسهيل أو التواطؤ أو التستر أو الشروع في ارتكاب أي فعل من الأفعال المنصوص عيها في هذه المادة.)[9]
وذلك في إطار التعريف بمرتكب جريمة غسل الأموال فشمل التعريف به المرتشي المسهل لعملية غسل الأموال وهذا يظهر سر العلاقة الوثيقة بين الرشوة وغسل الأموال


التزوير :
وقد صدر نظام خاص يجرم التزوير وهو خاص بمكافحة التزوير الصادر بالمرسوم الملكي رقم (114)في 26/11/1380هـ[10]

ولا يخفى أن التزوير من الجرائم المالية ذات الصلة الكبيرة بغسل الأموال التي تستفيد من إخراجه على الوجه الشرعي من حيث الشكل والظاهر
الجهود الدولية لمكافحة غسيل الاموال

يمكن القول ان عام 1988 يمثل سنة الارتكاز بالنسبة للجهود الدولية في حقل غسيل الاموال على ان يكون مفهوما ان الاهتمام الدولي والإقليمي والوطني في هذا الموضوع قد بدأ قبل هذا التاريخ بسنوات ولكنه بقي ضمن اطار البحث العلمي ورسم الخطط وبناء الاستراتيجيات دون ان يصل الى اطار دولي لتوحيد جهود المكافحة ، ففي عام 1988 وتحديدا في 19 /12/88 صدرت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة انشطة ترويج المخدرات ( اتفاقية فينا 1988 ) وتعد اهم اتفاقيات الأمم المتحدة باعتبارها قد فتحت الانظار على مخاطر انشطة غسيل الاموال المتحصلة من المخدرات واثرها المدمر على النظم الاقتصادية والاجتماعية للدول ، وهذه الاتفاقية لا تعد من حيث محتواها اتفاقية خاصة بغسيل الاموال اذ هي في الاساس اتفاقية في حقل مكافحة المخدرات ، بيد انها تناولت انشطة غسيل الاموال المتحصلة من تجارة المخدرات ، باعتبار ان تجارة المخدرات تمثل اكثر المصادر اهمية للاموال القذرة محل عمليات الغسيل . ومن المفيد ان نشير في هذا المقام ان الربط بين المخدرات وغسيل الاموال اوقع العديد من الدراسات القانونية في منزلق ادى الى تصور انشطة غسيل الاموال جزءا من انشطة المخدرات فقط ، لكن لم تلبث الجهود العلمية والبحثية ان تبينت التمييز بينهما بل تتجه الان للقول بظهور مصادر جديدة للاموال القذرة اكثر اهمية من المخدرات مثل انشطة المقامرة وتحديدا عبر الانترنت والانشطة الاباحية وانشطة الفساد الاداري والمالي وتحديدا من قبل القيادات المتنفذة المدنية والعسكرية في مختلف الدول وفي مقدمتها دول العالم النامي .

الى جانب جهد الأمم المتحدة ، وبعد عام واحد تقريبا تأسس اطار دولي لمكافحة جرائم غسل الاموال ( FINANCIAL ACTION TASK FORCE ON MAONEY LAUNDERING - FATF ) نشأ عن اجتماع الدول الصناعية السبعة الكبرى ، وقد عكفت هذه المنظمة على تحديد انشطة غسيل الاموال وفتحت عضويتها للدول الراغبة ، وشئ فشيء وعبر خبرائها ولجان الرقابة اخذت تكشف عن اوضاع غسيل الاموال في دول العالم كل ذلك عبر الية التقارير السنوية التي تصدرها وتحظى باهتمام الجهات الحكومية والتشريعية في مختلف دول العالم ، ففي تقريرها لعام 2000 مثلا حددت هذه المنظمة 15 دولة غير متعاونة في ميدان مكافحة انشطة غسيل الاموال من بينها دولة عربية واحدة هي لبنان التي بدورها تقدمت للمنظمة بايضاحات واعتراضات على وضعها ضمن هذه القائمة السوداء . ويرجع لهذه المنظمة الفضل في وضع اول دليل ارشادي لانشطة غسيل الاموال وهو في الحقيقة توصيات ( التوصيات الاربعون ) يجري الاعتماد عليها في وضع استراتيجيات المكافحة والتدابير التشريعية ويعتمد عليها من قبل المؤسسات المالية والمصرفية لتقيم ادائها في هذا الحقل .

أما من حيث الجهد القانوني فيظهر بشكل بارز في اطار الاتحاد الأوروبي ، حيث صدر عام 1990 الاتفاقية الاوروبية المتعلقة باجراءات التفتيش والضبط الجرمي لغسيل الاموال وحددت الاطار الدولي للتعاون في حقل مكافحة الانشطة الجرمية لغسيل الاموال ومثلت الاطار القانوني الارشادي للبرلمانات الاوروبية في معرض اتخاذه التدابير وسن التشريعات للتعاون من اجل مكافحة جرائم غسيل الاموال . وعلى هدي التوصيات الاربعين الصادرة عن اطار الذي انشأته مجموعة الدول الصناعية السبعة صدر عن اللجنة الاوروبية / الاتحاد الأوروبي دليل الحماية من استخدام النظام المالي في انشطة غسيل الاموال لعام 1991 وقد هدف هذا الدليل الارشادي الى وضع اطار قانوني لجهات مكافحة غسيل الاموال في دول الاعضاء وقد جرى تطبيق محتواه في العديد من التشريعات الاوروبية منها قانون العدالة الجنائية البريطاني لعام 1993
ومن حيث الجهد المالي وعلى صعيد الهيئات المتخصصة فان اللجنة الدولية للنظام البنكي والممارسات الاشرافية اصدرت مبادئ ارشادية للحماية من جرائم غسيل الاموال في كانون اول عام 1988 عرفت باسم ( BASLE STATEMENT OF PRINCIPLES )
وفي المرحلة الحالية ثمة جهود واسعة في الاطار المالي والتكنيكي لمكافحة غسيل الاموال وتحديدا لاستخدام الوسائل الالكترونية تبذل من قبل الهيئات المالية الدولية غير الربحية او التجارية مثل هيئة سويفت التي عكفت على اجراء دراسات واصدار سياسات وتوجيهات ارشادية في ميدان الدفع النقدي الالكتروني والاموال الالكترونية ووسائل واليات غسيل الاموال باستخدام شبكات المعلومات وفي مقدمتها الانترنت واستخدام التقنيات الحديثة لتبادل البيانات المالية ، ويتقاطع مع هذا الجهد مع الجهود المبذولة في حقل البنوك الالكترونية وبنوك الانترنت المتخذة من قبل الهيئات المتخصصة والخبراء في البنك الدولي وبنك التسويات ومختلف منظمات النظام الاقتصادي والتجاري الدولي وكذلك منظمات وهيئات وشبكات النشاط المصرفي سواء غير الربحية او التجارية .

6. الاطار القانوني لمكافحة جرائم غسيل الاموال

ان بناء اطار قانوني عربي لمكافحة جرائم غسيل الاموال لا بد ان يكون واضح المعالم متسما بالشمولية والاحاطة يتحقق من خلاله فعالية المكافحة وسلامة النتائج .

هذا الاطار يتعين ان ينطلق ابتداءا من استراتيجية واضحة المعالم تحدد مصادر الخطر ، انماط عمليات الغسيل ، المراحل التنفيذية لها ، الترتيبات التي يتخذها غاسلوا الاموال ومعاونيهم ، والبناء القانوني القائم بما يحتويه من ثغرات تمكن لغاسلي الاموال النفاذ من خلالها لتحقيق انشطتهم غير المشروعة . فاذا ما وقفنا على المحتواة الفني لعلميات الغسيل والواقع القانوني القائم الذي يتيح النفاذ ، انتقلنا الى تبين خصائص النظام المالي العربي والانشطة المصرفية العربية والواقع القانوني المتصل بها لتبين اوجه التخصيص الخاصة بالبيئة العربية ، وبتكامل هاتين الصورتين تتضح لنا النتائج فتتحدد امامنا وبشكل دقيق الصور الجرمية المتعين اتخاذ التدابير لمكافحتها فيجري عندئذ تحديدها بشكل دقيق لننتقل الى الجزء الثاني من الاستراتيجية وهو اليات المكافحة ، وهي هنا اليات مركبة ادارية ومالية وقانونية ، يستتبعها اليات تعاون وطني واقليمي ودولي ، تترابط حلقاته وتتشابك محققة في الوقت ذاته توازن بين اهمية المكافحة وفعاليتها من جهة ، وموجبات حماية السيادة الوطنية والاقتصاد الوطني من جهة اخرى .

وبناء هكذا استراتيجية يتعين ان يعتمد على خبرات وكفاءات بحثية وعلمية وعملية من مختلف القطاعات تحقق القدرة على الاحاطة بمختلف ابعاد المسألة ، القانونية والفنية والادارية ، وهو اطار يجيد معرفة الواقع ويتميز بسعة الاطلاع على عالم ما وراء الحدود ، فيستفيد من الانشطة المتخذة في دول اخرى وفي النظم المقارنة دون ان يغفل الخصائص الذاتية للمجتمع المحلي وللاطار الاقليمي الذي تتبع له الدولة .

فاذا تحقق وجود مثل هذه الاستراتيجية كان من الواجب ان ننتقل الى اليات تنفيذها ، وهو ما يستتبع استثمار كل جهد او اطار وطني وعربي وعالمي ، وتنفيذ الاستراتيجيات يتحقق لاتخاذ التدابير التشريعية القوانين او الانظمة او التعليمات ) وابرام اتفاقيات التعاون الثنائية والاقليمية والدولية ، وتنفيذ برامج التوعية العامة ، وتنفيذ برامج التأهيل والتدريب للاشخاص والجهات التي تنيط به الاستراتيجية مهمة المكافحة او الرقابة على الانشطة المالية او مهمة الاخبار عن الانشطة المشكوك بها ، ويمثل الاطار التدريبي والتأهيلي احد اهم روافع فعالية انشطة المكافحة ، فلا قيمة للتدليل الارشادي النظري او للاستراتيجية المفرغة على الاوراق او للقوانين المحفوظة بين دفتي كتاب اذا لم تتحقق للمرتبطين بها قدرة التنفيذ العملي لمحتواها ، ويتمتد التدريب الى موظفي المؤسسات المالية والمصرفية بمختلف مراتبهم ووظائفهم والى جهات الضابطة العدلية والقضائي والقانون والى الجهات الحكومية وجهات القطاع الخاص في ان معا .

عندما كان الاستيلاء على المال هدف لعصابات السطو ، سؤل احد اشهر مجرمي عمليات السطو في امريكا عن سبب استهدافه للبنوك ، فقال انه هناك توجد النقود ، ومع تغيير النمط الجرمي من عمليات السطو التقليدية الى جرائم اصحاب الياقات البيضاء وتحديدا الجرائم الاقتصادية وجرائم الكمبيوتر ، سؤل احد اشهر ( الهاكرز) عن سبب استهدافه البنوك ايضا ، فقال انها مخزن للبيانات المالية ، ولو عاد الزمان وسألنا ال كابون عن سبب استهدافه المصارف في انشطة غسيل اموال المافيا لقال انها المدخل الى دمج المال القذر بالاموال المشروعة .

. الاستراتيجيات المصرفية لمكافحة جرائم غسيل الاموال

· سلوكيات لازمة لمواجهة خطر غسيل الاموال

لدى المصارف عادة ادلة توجيهية بشان انشطة غسيل الاموال والمسائل المتعين ملاحظتها وايلاؤها الاهتمام واخضاعها لمزيد من الفحص والتدقيق عند حصولها من قبل احد الزبائن ، ومهم الاشارة هنا ان هذه الادلة التوجيهية التي تصدر عن منظمات وهيئات مصرفية وتنظيمية وقانونية لا تتضمن عادة كافة الانشطة والوسائل نظرا لتسارع وتنامي وتغير انشطة غسيل الاموال الجرمية ، ونظرا ايضا لان هذه الادلة لا تكون بعيدة ايضا عن ايدي غاسلي الاموال ومنظماتهم الجرمية .وليس المقام لاعادة استعراض هذه القواعد والتوجيهات فهي متوفرة بين ايدي المصرفيين ، لكننا نقف على اكثر السلوكيات اهمية في سياسة الحماية من غسيل الاموال خاصة تلك التي تظهر في البيئة المصرفية العربية اكثر من غيرها .

· لا تهاون في التثبت من شخص العميل وخاصة الاشخاص المعنوية

اول واهم عنصر من عناصر ضمان عدم الوقوع في منزلقات انشطة غسيل الاموال ، عدم تهاون المصرف في التوثق من شخص العميل وتحديدا لدى بدء التعامل ، واذا كانت المصارف العربية تولي اهتماما بشان الاشخاص الطبيعية فان اهتمامها ليس بذات القدر بشان الاشخاص المعنوية وتحديدا الشركات والمؤسسات والجمعيات ، مع ان الخطر في الغالب قد يكون لدى هذه الفئة ، ان الشركات الوهمية او مؤسسات وشركات وجمعيات المواجهة احد اهم وسائل غاسلي الاموال ، وقد لوحظ في السنوات الاخيرة اتجاه عريض نحو فتح حسابات لشركات اجنبية غير مقيمة او لشركات اشخاص ( وطنيين ) منشاة في الخارج او المناطق الحرة او غيرها بالاكتفاء بوثائق غير كافية لمعرفة البنك لعمياه بالشكل المطلوب ، والاخطر التجاوز في احيان كثيرة عن عناصر هامة للتوثق ، صحيح ان البنوك تتطلب وثائق مصدقة ، لكن كثيرا من السلوكيات تتجاوز اهمية التوثق من حقيقة وجود الشخص المعنوي ، مكتفية بالظاهر غالبا ، مع ان اهم ما دربت عليه المؤسسات المصرفية ان معرفة الزبون تتطلب معرفة سياسة عمله ونطاق نشاطه وليس معرفة شخصه فحسب .

· الحذر من العميل الذي يخفي المعلومات او يقدم معلومات غير كافية

هذه القاعدة تعرفها المؤسسات المصرفية ، لكنها في الحقيقة وفي الواقع العملي متجاوز عنها كثيرا ، لقد اظهرت الدراسات التحليلية لتقارير انشطة غسيل الاموال العالمية ان اكبر صفقات غسيل الاموال كان يمكن كشفها من قبل البنك بمجرد ملاحقة ما يظهر من عدمك دقة العميل في تزويد البنك بالمعلومات ، سواء المتعلقة بشخصه او عمله او نشاطه ، وليس معنى ذلك ان الزبون المتحفظ محل للشك ، لكننا هنا نقف امام ملاحظة قد تمثل مدخلا اساسيا للحماية ، فالزبون الممتنع عن تزويد معلومات بخصوص غرض العمل و عناصر الائتمان او عن مراكز العمل او غيرها مما تتطلبه الاعمال والخدمات المصرفية قد يخفي حقيقة ما تستلزم سيرها والتوقف عندها .

· نشاطات غسيل الاموال عادة ما تغاير الانشطة التي من اجلها بدا التعامل

تنبه الادلة الارشادية عادة الى وجوب اخذ الحذر من تغير انشطة الزبائن ومن الانشطة التي لا تتلاءم مع اعمالهم الاعتيادية ، وتتطلب التدقيق فيها ، وهذه في الحقيقة مشكلة في البيئة العربية ، البيئة التي يسعى ذوي المال فيها الى اصطياد كل فرصة لتحقيق الدخل بسبب عدم وضوح معالم الانشطة الاستثمارية وتارجح المشاريع بين الفشل والنجاح واتجاهات التغيير، لكن هذا الواقع لا يمنع البنك من الوقوف على انشطة زبونه ، مثل ورود او صدور حوالات - خاصة بالوسائل الالكترونية - بمبالغ كبيرة دون وضوح مصدرها او من مصدر لا يتواءم مع طبيعة نشاط العميل ، او اتجاه العميل الى تمويل صفقات او مشاريع بشكل مفاجيء تغاير انشطته التمويلية.

· اعتماد سياسة التقارير الدورية حول النشاط المصرفي وتحليل مخرجاتها .

تعلم البنوك ان ثمة عددا كبيرا من التقارير تستوجبها انشطة الاشراف على العمل المصرفي واخرى تتطلبها الادلة التوجيهية لمكافحة غسيل الاموال ، ويلاحظ في البيئة العربية انه وان كان ثمة التزام بتنظيم هذه التقارير بانواعها لكن ثمة ايضا استهانة بسياسات تحليلها واستظهار النتائج منها ومواصلة قراءة التغيرات الواقعية بين تغيير واخر ، وفي هذا الاطار فان تقارير الايداعات والسحوبات وتقارير النقد الخارجي والمقاصة وتقارير الحوالات مع بيان مصادرها وتحديدا البنك الاول الذي استلم النقد من العميل ، وتقارير الائتمان والاقراض وغيرها تساهم فيحال قراءتها المتفحصة التحليلية من المصرفيين الخبراء على كشف العمليات المريبة وعلى الاقل تحديد الموضع الذي يحتاج توثيقا وفحصا اكثر من غيره ومن ثم التحرك الفوري اذا ماتبين وجود فعل غير مشروع .

هذه السلوكيات الادبية ، حزء يسير مما تتضمنه عادة الادلة التوجيهية الموجودة بين ايدي المصرفيين ، لكن التساؤل ، لماذا هذه السلوكيات الاربعة دون غيرها ؟ انها مسالة تتصل بما يظهره واقع النشاط المصرفي العربي ، اذ قد لا تكون السلوكيات الاخرى ذات اثر في ظل رقابة البنك الداخلية وفي ظل سياساته العملية وكذلك في ظل انشطة الاشراف والرقابة من البنك المركزي .








المراجع
· المشعل، خالد، جرائم غسيل الأموال: المفهوم، الأسباب والآثار الاقتصادية. بحث منشور في مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية العدد (30) عام 1421هـ
· الاساليب المستحدثة في غسيل الاموال وكيفية التغلب عليها، بحث مقدم في الحلقة العلمية المعنونة بـ ( القواعد التنظيمية لمكافحة المخدرات وغسل الاموال) المنامة – البحرين ( شوال 1425).
· الرسالة التي تقدم بها باحث الدكتوراه عبدالله بن ثنيان الثنيان تحت عنوان (أحكام غسل الأموال - دراسة مقارنة بين نظام مكافحة غسل الأموال السعودي والانظمة والاتفاقيات الدولية
· نظام مكافحة غسل الأموال الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/39 في25/6/1424
· جرائم غسيل الاموال المحامي يونس عرب دراسة في ماهية ومخاطر جرائم غسيل الاموال والاتجاهات الدولية لمكافحتها وبيان بخطط المصارف لمواجهة هذه الجرائم
· الطرق الحكيمة في السياسة الشرعية لابن قيم الجوزية ص4 ، ط1 ، 1415هـ نشر دار الكتب العلمية بيروت .
· السياسة الشرعية تأليف تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية ص40 طبع ونشر وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد .
· الذيل على طبقات الحنابلة
· .الدرر الكامنة
· شذرات الذهب .
· ومعجم المؤلفين
· جرائم غسل الأموال في ضوء الشريعة والقانون
· اجراءات التحقيق في جريمة غسل الأموال في المملكة العربية السعودية مشعل بن عبد الله العتيبي
· أثر السرية المصرفية على مكافحة جرائم غسل الأموال , العتيبي سعود ذياب
· فاعلية إدارة التحريات والبحث الجنائي بالأمن العام في مكافحة جرائم غسل الأموال
· فاعلية التنسيق بين الأجهزة الأمنية ومؤسسة النقد العربي السعودي في مكافحة جرائم غسل الأموال
· جريمة غسل الأموال في النظام السعودي والإتفاقيات الدولية





[1] دليل اللجنة الأوربية لغسيل الأموال
[2] نظام مكافحة غسل الأموال الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/39 في25/6/1424
1- السياسة الشرعية تأليف تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية ص40 طبع ونشر وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد .
1- هو أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي ثم الدمشقي الحنبلي من فقهاء الحنابلة وأصوليهم ومجتهديهم البارزين وكان إلى جانب ذلك مفسراً ومتكلماً ونحوياً ومحدثاً ومشاركاً في علوم كثيرة . لازم الإمام ابن تيمية وأخذ عنه وسجن معه في قلعة دمشق توفي سنة 751هـ ودفن في سفح جبل قاسيون بدمشق .
من مؤلفاته :
(أعلام الموقعين عن رب العالمين ) و ( زاد المعاد في هدي خير العباد ) و ( إغاثة اللهفان من مكايد الشيطان ) و ( الطرق الحكمية ) وكتبه كثيرة تعد بالمئات .
راجع ترجمته :
1- الذيل على طبقات الحنابلة ( 2/447 ) .
2- والدرر الكامنة ( 5/137 ) .
3- وشذرات الذهب ( 6/168 ) .
4- ومعجم المؤلفين ( 9/106 ) .
2- الطرق الحكيمة في السياسة الشرعية لابن قيم الجوزية ص4 ، ط1 ، 1415هـ نشر دار الكتب العلمية بيروت .
[6] جرائم غسيل الأموال المحامي يونس عرب دراسة في ماهية ومخاطر جرائم غسيل الأموال والاتجاهات الدولية لمكافحتها وبيان بخطط المصارف لمواجهة هذه الجرائم
[7] نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية الصادر بالمرسوم الملكي رقم(م/39) في 8/7/1426هـ
[8] نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية الصادر بالمرسوم الملكي رقم(م/39) في 8/7/1426هـ
[9] نظام مكافحة غسل الأموال الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/39 في25/6/1424
[10]نظام مكافحة التزوير الصادر بالمرسوم الملكي رقم (114)في 26/11/1380هـ

ليست هناك تعليقات: