الجمعة، 12 ديسمبر 2008

وسائل التحقيق الحديثة وحجيتها في الاثبات

وسائل التحقيق المستحدثة وأثرها في الإثبات
دراسة موضوعية لوسائل التحقيق الحديثة من حيث المفهوم وأثرها في الإثبات
إعداد
سامي بن فهد العقيلي
برنامج الدكتوراه في قسم السياسة الشرعية للعام 1429/1430






بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
ومن سيئات أعمالنا ..
من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ،
وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه
وعلى آله وصحبه أجمعين
المدخل :
لما كانت الأحكام القضائية وفروعها ومآخذها على وجه الخصوص محض إطلاقات وعموميات تتناول أنواعا" من الوقائع القضائية لا تنحصر كما " وكيفا"،وهي لا تقوم إلا معيّنة مشخّصة ولكل معيّن منها خصوصية ليست في غيره .
وهذا التعيين ليس معتبرا" في آحاد الأحكام بإطلاق ولا مطردا" بإطلاق
فحينا" هذا وحينا" ذاك وحينا" يأخذ من كل طرف بجهة .
ثم لا تبقى صورة أو قضية إلا وهي مشمولة بالإنتاج القضائي الذي يعرض للجرائم الثابتة والجرائم المفوضة ( التعزيرية) واكب ذلك وسائل مستحدثة للتحقيق الجنائي تختلف عن الوسائل التقليدية في التحقيق الجنائي
وقد أحدث استخدام التقنية الحديثة ثورة علمية في مجال الإثبات الجنائي
ولما كانت الآراء المتعلقة بهذه المسألة غير واضحة ولمعرفة ذلك
وجب الوقوف عليها واستقصاء آراء العلماء فيها ، فكان من المناسب إعداد مثل هذه البحوث المتعلقة بتلك الوسائل التي يبقى باب الاجتهاد فيها مفتوحا" يختلف باختلاف الوسائل وجدتها، والشكر بعد شكر الله لفضيلة شيخنا الدكتور ناصر الجوفان على إتاحة هذه الفرصة للدراسة والتحليل فجزاه الله عنا خيرا"

صعوبات البحث
وهنا لابد أن أسجل أن هناك صعوبات واجهتني في اعداد هذا البحث ومن أهمها
قلة المصادر التي تكلمت عن الموضوع في إطار التنظير القانوني المعمق
هناك بعض الأبحاث التي تناولت شي من وسائل التحقيق على جهة التفصيل والاستيعاب الفقهي مثل الدراسة المقدمة من الدكتور بندر بن فهد السويلم بعنوان (البصمة الوراثية وأثرها في النسب ) لكنها في الإطار القانوني لم تتعرض له بالدراسة والتحليل إلا النزر اليسير
وتشكل وسائل التحقيق الحديثة أهمية بالغة من جهة استخدامها للأساليب التي توظف التقنية وتستفيد منها ولا تعتد على ما يقوم به المحقق فحسب بل تتعداه لكل وسيلة تقنية تساعد على الوصول للأهداف المقصودة من التحقيق
المفهوم :
هناك مدلول باعتبار الإفراد وآخر باعتبار التركيب
الاعتبار الافرادي
الوسيلة :
جاء ذكر الوسيلة في كتب العربية كثيرا" كلها تنصب على مفهوم الذريعة
فقد جاء في لسان العرب ما نصه :
(الوسيلة :المَنْزِلة عند المَلِك.و الوسيلة الدَّرَجة.والوسيلة القُرْبة.)[1]
ومن هنا يمكن الوصول إلى بعض المرئيات المتعلقة بهذا الخصوص
أن كلمة الوسائل عرفت من القديم فقد عرفها الفقهاء في تقعيداتهم كما ورد في القاعدة المعروفة ( الوسائل لها حكم المقاصد) كما عرفها شراح الأنظمة والقانونين على حد سواء
أن هذه المفردة على قدمها لكن بتطور الوقت أخذت مفهوما" آخر يتعلق بالآليات والأساليب المعاصرة
ويمكن أن تلخص الوسيلة بأنها كل ما يتوسل به إلى أمر آخر
وقريب منه التعريف الاصطلاحي لمفردة ( الوسائل )
ويمكن تعريفها بأنها
( كل فعل لا يقصد لذاته ولكن يقصد للتوصل به إلى فعل آخر أو لتحصيل فعل آخر سواء كان هذا الفعل مصلحة أو مفسدة وسواء كان مشروعا" أو ممنوعا")[2]
وأما التحقيق
فهو في اللغة كما ذكره صاحب (الصّحّاح في اللغة)
( حقق الحَقُّ: خلاف الباطل.والحَقُّ: واحد الحُقوقِ.والحَقَّةُ أخصّ منه.)[3]
وأما التحقيق بالاعتبار الاصطلاحي فقد عرفها بعضهم بأنها
( السبل الموصلة لمعرفة الجاني في جناية ارتكبت أو شرع فيها وظروف ارتكابها بوسائل مشروعة من قبل جهة مختصة )[4]
وفي تقديري أن هذا التعريف مأخوذ بعدد من الملاحظات ومنها:
· أغفل التعريف ذكر الوسائل الموصلة لمعرفة الجناة في الجنح
· إدخال معرفة ظروف الجريمة أمر زائد لا علاقة له بصلب المفهوم
· ارتكاب الجريمة بوسائل مشروعة قيد ينطبق على جريمة غسل الأموال أكثر من انطباقه على وسائل التحقيق
التعريف المختار
أقرب ما يمكن تعريف وسائل التحقيق به هو أن يقال
وسائل التحقيق طرق وآليات معرفة من يقوم بالأفعال الجرمية
الضابط في استخدام الوسائل الحديثة في مجال التحقيق الجنائي
قبل الشروع في تعداد وسائل التحقيق الحديثة ومدى حجيتها في الإثبات لا بد من التنبيه إلى قاعدة عظيم وأصل عظيم ينبغي استحضاره ألا وهو احترام خصوصيات الناس
يركز هذا الضابط على عدم جواز مساس الوسيلة المستخدمة في هذا المجال بحياة الأفراد وخصوصياتهم أو انتهاك حقوقهم المادية والمعنوية إلا في حدود شرعية وضوابط مصلحيه [5] لأنها من الضروريات التي جاءت الشريعة بحفظها
يقول الإمام الشاطبي :
(والحفظ لها – يعني الضروريات – يكون بأمرين :
1- ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود
2- ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب العدم ……
والجنايات ترجع إلى حفظ الجميع من جانب العدم )[6]
الوسائل الحديثة المستخدمة في التحقيق الجنائي
مفهومها
يراد بها الأساليب والآليات التي تستخدم فيها التقنية المعاصرة ولا تقف على ما يفعله المحقق ويقوم به في حال الاستجواب التقليدي
شروط استخدامها
· أن يأذن ولي الأمر أو من يقوم مقامه باستخدامها
· أن يتدرج المحقق في استخدامها
وهذه الوسائل الحديثة كبيرة الفائدة والتأثير كما أن بعضها ليس محصورا" في نطاق محدد أو في مجال ضيق
تطور وسائل التحقيق والبحث الجنائي
شهدت وسائل التحقيق والبحث الجنائي تطورا كبيرا" وملحوظا" حيث كانت في السابق تفتقد الوسائل والتقنيات الحديثة في كشف الجرائم .
فقد كانت وسيلة التحقيق الوحيدة هي التعذيب بكافة صوره
ثم تطور الوضع إلى الأخذ بالأدلة الشرعية والاعتماد عليها فأصبح التحقيق يقوم على مبادئ وقواعد شرعية وقانونية
مدى حجية هذه الوسائل في التحقيق الجنائي على جهة العموم
الأصل العام هو جواز استعمال هذه الوسائل في التحقيق الجنائي من الناحية الشرعية إلا أن هذه الوسائل لا يعتمد عليها بمفردها في إثبات الجرائم وذلك للاحتمالات الواردة عليه كالتلفيق والتزوير فإنه وارد في الوسائل البصرية وهو ما يسمى (بالدبلجة) وأيضا" في وسائل المعلوماتية وكما أن التقليد وارد في الوسائل السمعية وكذا الحذف والنقل عليه وهو ما يسمى (المونتاج)
إلا أنها تعتبر هذه الوسائل قرينة قوية على ارتكاب الجريمة
ومن الصعوبة بمكان ذكر هذه الوسائل على جهة الحصر لأنها متجددة ولا يمكن استقصاؤها مثلها مثل كافة القرائن المعاصرة التي تقوم على أساس أسلوب الاستشارات الفنية والبحوث والخبرة في مجال الإثبات والبحث الجنائي ومنها ما يلي :
التحقيق باستخدام البصمات
تعتبر البصمات إحدى الوسائل الفنية التي يعتمدها المجال الجنائي بغية
التوصل إلى تحديد شخص المجرم من خلال البحث عن صاحب البصمات أو
المقارنة مع بصمات المشتبه به ، والبصمة هي دليل مادي يمكن للمحقق
الحصول عليه من المشتبه به إذ لا يمس في الواقع بأي حق خاص من حقوقه[7]
ونظرًا لاعتبار أن البصمات من الأدلة الحديثة لذا لم يتعرض لها علماء
وفقهاء المسلمين السابقين في كتبهم ومؤلفاتهم . أما العلماء المحدثون فلم
يتعرضوا للبصمات إلا بشكل عارض عند حديثهم عن القرائن والأمارات
مدى الاعتماد عليها في الإثبات
يتبين الموقف من مدى الاعتماد عليها في الاثبات من خلال ما يلي :
· البصمات حجة قوية
نظرًا لما اختصها الله به من خواص ومميزات أدت إلى استحالة تطابقها بين شخصين بل وفي أصابع الشخص الواحد أيضًا
لأن وسائل الإثبات في الشريعة الإسلامية لم تأت على سبيل الحصر بل تشمل كل ما أبان الحق وأظهره
والبصمة كفيلة بإظهار الحق وإبانته حيث إن الأخذ بالبصمات في الإثبات
الجنائي أمر يتفق مع مقاصد الشريعة الإسلامية في الحفاظ على الضروريات
الخمس وأن عدم الأخذ بها فيه تسهيل على المجرمين وفتح للطريق أمامهم
لارتكاب جرائمهم مما يؤدي إلى انتشار الجريمة واستفحالها . كما أن
استخدام البصمة كدليل أمر يمر بمراحل كيميائية ومعملية مختلفة من إظهار
البصمة ورفعها ومضاهاتها مما لا تؤثر فيه نزعات البشر ورغباتهم
وسلوكهم فلا يتطرق إليها الكذب أو الغلط فدلالتها لا تتغير
· إلا أنه على الرغم من اعتبار البصمات قرينة قوية وحجة في الإثبات الجنائي في الشريعة الإسلامية فإنه لا يؤخذ على إطلاقه حيث إنه في جرائم الحدود والقصاص يجب الاحتياط حيال إثباتها بالبصمات لأن البصمة تعني وجود صاحبها في مكان الجريمة ولكن لا تعني أنه مرتكبها إلا أنه لها فائدة في مواجهة المتهم بها للحصول منه على اعتراف حيث لا يخفى أن أخذ البصمات من شأنه توفير دليل مؤيد أو نافٍ للشبهة وقابل للمناقشة والتبرير بالنظر للظروف المحيطة بالقضية [8]

التحقيق باستخدام البصمة الوراثية DNA
المفهوم
يعد مصطلح البصمة الوراثية من المصطلحات الحديثة فلا يوجد في الفقه الإسلامي تعريف للبصمة الوراثية لحداثة هذا المصطلح وقد عرفه بعض المعاصرين : البصمة الوراثية بأنها : تعيين هوية الإنسان عن طريق تحليل جزء أو أجزاء من حمض DNA المتمركز في نواة أية خلية من خلايا جسمه[9]
إلا أنه قد ورد تعريف له من قبل المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي
(البنية الجينية التي تدل على هوية كل إنسان بعينه )[10]
وهي من الوسائل الحديثة التي تتسم بالدقة
وعرفتها ندوة( الوراثة والهندسة الوراثية والجينوم البشري والعلاج الجيني رؤية إسلامية )[11] بتعريف قريب من ذلك لا يختلف عنه كثيرا"

مدى الاعتماد عليها في الإثبات
في المجال الجنائي تمثل البصمة الوراثية نورًا للعدالة ووسيلة لمنع
الظلم ورد الحقوق إلى أهلها والشريعة الإسلامية من مقاصدها العدل والإنصاف
حيث إن كل ما يحقق العدل ويظهر الحق من الشريعة يقول العلامة ابن قيم
الجوزية رحمه الله :
" لم يزل الحكام والولاة يستخرجون الحقوق بالفراسة
والعلامات فإذا ظهرت لم يقدموا عليها شهادة تخالفها ولا إقرار "[12]
وقد أفتى الفقهاء المعاصرون بجواز استخدام البصمة الوراثية في المجالات
المفيدة ومنها استخدامها لإثبات الجرائم ومن هذه الفتاوى :
١-أفتى المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة بجواز
الاعتماد على البصمة الوراثية واعتبارها وسيلة إثبات في الجرائم التي ليس
فيها حد شرعي ولا قصاص حيث ورد في القرار السابع من
قرارات الدورة السادسة عشر البند أولا ما يلي : " لا مانع شرعًا من الاعتماد على البصمة الوراثية في التحقيق الجنائي واعتبارها وسيلة إثبات في الجرائم التي ليس فيها حد شرعي ولا قصاص لحديث" ادرؤوا الحدود بالشبهات" وذلك يحقق العدالة والأمن للمجتمع ويؤدي إلى نيل المجرم عقابه وتبرئة المتهم وهذا مقصد مهم من مقاصد الشريعة[13]
وسوف انقل النص بالكامل لأنه اشتمل على ضوابط مهمة وقيود خاصة في هذا الباب :
القرار السابعبشأن البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منهاالحمد لله وحده والصلاة والسلام علي من لا نبي بعده ، أما بعدفإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته السادسة عشر المنعقدة بمكة المكرمة ، في المدة من 21-26/10/1422 هـ الذي يوافقه 5-10/1/2002 م ، وبعد النظر في التعريف الذي سبق للمجمع اعتماده في دورته الخامسة عشر ، ونصه (البصمة الوراثية هي البُنية الجينية ،التي تدل علي هوية كل إنسان بعينه ، وأفادت البحوث والدراسات العلمية أنها من الناحية العلمية وسيلة تمتاز بالدقة لتسهيل مهمة الطب الشرعي ، ويمكن أخذها من أي خلية ( بشرية ) من الدم ، أو اللعاب ، أو المني ، أو البول ، أو غيره . وبعد الإطلاع علي ما أشتمل عليه تقرير اللجنة التي كلفها المجمع في الدورة الخامسة عشر بإعداده من خلال إجراء دراسة ميدانية مستفيضة للبصمة والإطلاع علي البحوث التي قدمت في الموضوع من الفقهاء والأطباء والخبراء ،والاستماع إلي المناقشات التي دارت حوله ، تبين من ذلك كله أن نتائج البصمة الوراثية تكاد تكون قطعية في إثبات نسبة الأولاد إلي الوالدين أو نفيهم عنهما وفي إسناد العينة التي توجد في مسرح الحادث إلي صاحبها فهي أقوي بكثير من القيافة العادية ،وأن الخطأ في البصمة الوراثية ليس وارداً من حيث هي ،وإنما الخطأ في الجهد البشري أو عوامل التلوث ونحو ذلك وبناء علي ما سبق قرر ما يأتي : أولاً : لا مانع شرعاً من الاعتماد علي البصمة الوراثية في التحقيق الجنائي واعتبارها وسيلة إثبات في الجرائم التي ليس فيها حد شرعي ولا قصاص لخبر ( ادرؤوا الحدود بالشبهات ) وذلك يحقق العدالة والأمن للمجتمع ، ويؤدي إلي نيل المجرم عقابه وتبرئة المتهم ، وهذا مقصد مهم من مقاصد الشريعة . ثانياً : أن استعمال البصمة الوراثية في مجال النسب لابد أن يحاط بمنتهي الحذر والحيطة السرية ، ولذلك لابد أن تقدم النصوص والقواعد الشرعية علي البصمة الوراثية . ثالثاً : لا يجوز شرعاً الاعتماد علي البصمة الوراثية في نفي النسب ، ولا يجوز تقديمها علي اللعان . رابعاً : لا يجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعاً ، ويجب علي الجهات المختصة منعه وفرض العقوبات الزاجرة ، لأن في ذلك المنع حماية لأعراض الناس وصوناً لأنسابهم .خامساً : يجوز الاعتماد علي البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات الآتية : - حالات التنازع علي مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء ، سواء أكان التنازع علي مجهول النسب بسبب انتفاء الأدلة أو تساويها ، أم كان بسبب الاشتراك في وطء الشبهة ونحوه . - حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات ومراكز رعاية الأطفال ونحوها ، وكذا الاشتباه في أطفال الأنابيب . - حالات ضياع الأطفال واختلاطهم ، بسبب الحوادث أو الوارث أو الحروب ، وتعذر معرفة أهلهم ، أو وجود جثث لم يمكن التعرف علي هويتها ، أو بقصد التحقق من هويات أسرى الحروب والمفقودين . سادساً : لا يجوز بيع الجينوم البشري لجنس ، أو لشعب ، أو لفرد ، لأي غرض ، كما لا تجوز هبتها لأي جهة ، لما يترتب علي بيعها أو هبتها من مفاسد . سابعاً : يوصي المجمع بما يأتي : - أن تمنع الدولة إجراء الفحص الخاص بالبصمة الوراثية إلا بطلب من القضاء ، وأن يكون في مختبرات للجهات المختصة ، وأن تمنع القطاع الخاص الهادف للربح من مزاولة هذا الفحص لما يترتب علي ذلك من المخاطر الكبرى . - تكوين لجنة خاصة بالبصمة الوراثية في كل دولة يشترك فيها المختصون الشرعيون ، والأطباء والإداريون ، وتكون مهمتها الإشراف علي نتائج البصمة الوراثية ،واعتماد نتائجها . - أن توضع آلية دقيقة لمنع الانتحال والغش ، ومنع التلوث وكل ما يتعلق بالجهد البشري في حقل مختبرات البصمة الوراثية حتى تكون النتائج مطابقة للواقع ،وأن يتم التأكد من دقة المختبرات ، وأن يكون عدد المورثات ( الجينات المستعملة للفحص ) بالقدر الذي يراه المختصون ضرورياً دفعاً للشك ٢-أفتى الدكتور / نصر فريد واصل مفتى الديار المصرية الأسبق
بجواز الأخذ بالبصمة الوراثية حيث قال : " لا مانع شرعًا من إجراء البحوث
والعمل على توسيع البصمة الوراثية في المجالات الطبيعية المختلفة لأن
التصرفات المستخدمة النافعة مباحة شرعًا . للقاعدة الشرعية الأصل في
الأشياء الإباحة واستصحابًا لبراءة الذمة ومبدأ سلطان الإرادة في الإسلام إذ
يحق لكل إنسان أن يبرم ما يراه من العقود وينشئ ما يراه من التصرفات في
حدود عدم الضرر بالنفس أو الغير ولا يحرم منها ولا يبطل إلا ما دل الشرع
على تحريمه وإبطاله [14]
و بما أن البصمة الوراثية تعد قرينة يؤخذ بها سواء في إدانة المجرمين أو بتبرئة المدانين خطأ إلا أنه لا يجوز الأخذ بها لوحدها ما لم تعززها أدلة أخرى
فالبصمة الوراثية تفيد وجود المتهم في مسرح الجريمة لكنها لا تفيد ارتكابه
لها بطريق القطع واليقين وإنما على سبيل الشك والاحتمال[15]
وبناء عليه
لا أرى مانعا" من الأخذ بالبصمة الوراثية لكونها تندرج ضمن القرائن القوية التي يندر الخطأ فيها
التحقيق باستخدام وسيلة التسجيل والتصوير
من الملاحظ أن التسجيل والتصوير أصبحا واقعة من وقائع التحقيق والمحاكمة
التحقيق بقرينة التسجيل والتصوير
مفهوم التسجيل الصوتي
يقصد بالتسجيل الصوتي تسجيل الأصوات باستعمال أجهزة التسجيل
المستخدمة في تسجيل الصوت على شرائط يمكن سماعها فيما بعد وفي أي
وقت .

مدى الاعتماد عليها في الإثبات
التسجيلات الصوتية ناتجة عن التطور العلمي الحديث إلا أنه يمكن
استنباط حكم في مثل هذه المسألة بناء على ما جاءت به روح الشريعة
الإسلامية ومقاصدها فبالنسبة لجرائم الحدود والقصاص يكون إثباتها بواسطة
التسجيلات الصوتية أمر مستبعد تمامًا ويبطل الاستناد إليها كدليل مستقل
لإدانة من قدمت ضده وذلك لأن التسجيلات تتطرق إليها احتمالات التزوير
بعد اختراع وسائل التعديل والحذف والإصلاح في شرائط التسجيل وهو ما
يسمى (بالمونتاج) كما أن جرائم الحدود لا يقام الحد فيها على المتهم في حالة
عدوله عن إقرار فما بالك به ولم يقر[16]
فهذه كلها شبهة تدرأ إقامة الحد حسب قاعدة درء الحدود بالشبهات
وبالنسبة لجرائم التعازير فهي كذلك لا يمكن إثباتها بهذه الوسيلة لما قد
تتطرق إليها من احتمالات كالتزوير أو التقليد . كما أن في الأخذ بالتسجيلات
ترويع للآمنين وإثارة للقلق في نفوسهم وانتهاك لحرمات المسلمين وتعد على
كرامتهم . ولأن التجسس منهي عنه مهما كانت الوسيلة لقول الله تعالى :
﴿ وَلا َتجسسوا ﴾[17]
التصوير
مدى الاعتماد عليها في الإثبات
لم أجد في كتب الفقهاء أحكامًا تجيزه أو تمنع الأخذ بالتصوير كدليل من أدلة الإثبات في الدعوى الجنائية لأن دلالة الصورة على صاحبها دلالة واهية وضعيفة لا يعول عليها في إصدار الأحكام خصوصًا بما يتعلق بموجبات الحدود والقصاص لأن الصور الفوتوغرافية قد تدخل فيها أمور عدة :
منها: - احتمال التركيب بين الصور لمكانين مختلفين بطريق الدبلجة. - القدرة على الرسم بما يشبه الصورة.
وبناء عليه فهذه احتمالات تعد شبهًا تدرأ إقامة الحد إلا أنه يمكن اعتبار هذه الصور قرينة
ضد المتهم تخول السلطات المختصة التحقيق معه ومواجهته بهذه القرينة
للحصول على الاعتراف إن أمكن ذلك أو يعزره القاضي إذا تكونت لديه
القناعة بهذه القرينة[18] فمتى ما رأى القاضي ترجيح جانب الصورة في الإثبات لعدة مرجحات فله العمل بها وإن أمكن تعزيزها بغيرها فهو أولى، فالأمر راجع إلى ما يتمتع به القاضي من فطنة وذكاء. وكذا في حال التصوير في قضايا الحوادث المرورية. أما التصوير بكاميرات الفيديو: (الصوت والصورة) في إثبات الخطأ في الحوادث المرورية فإنه أولى بالاعتبار من الأدلة المادية الأخرى.
التحقيق باستخدام الكلاب البوليسية
مدى الاعتماد عليها في الإثبات
حال المتهم مقابل تعرف الكلاب الشرطية لا يخلو من أحد أمرين
الأمر الأول : أن يعترف المتهم بالتهمة المنسوبة إليه وهذا الاعتراف لا يخلو
من أن يكون اعترافه بسبب اعتداء الكلب عليه فاعترف خوفًا منه فهنا لا
اعتبار لهذا الاعتراف فهو بمثابة اعتراف المكره خصوصًا في موجبات
الحدود والقصاص أو أن يكون اعترافه اختياريًا أي دون خوف من الكلب
أثناء عملية التعرف وهنا يؤخذ المتهم بالجريمة المنسوبة إليه
الأمر الثاني : أن ينكر المتهم التهمة المنسوبة إليه وفي هذه الحالة لا يصح أن
يؤاخذ المتهم بهذا كدليل على ثبوت التهمة عليه وذلك لاحتمال خطأ الكلب.
بسبب تعبه أو جوعه أو أن الجاني الحقيقي قد ترك في مسرح الجريمة
متاعًا يتعلق بشخص آخر بهدف تضليل الكلاب البوليسية أو نثر مواد بها
رائحة فواحة بقصد إضاعة الأثر كما أن مقدرة الكلب في كشف الأثر
والتعرف على الجاني تعتمد على قوة تدريب الكلب وتعليمه وهذه تختلف من
كلب لآخر ومن مدرب إلى آخر بالإضافة إلى أن وجود المتهم في مكان
الجريمة لا يقطع بكونه الجاني [19]

التحقيق باستخدام مصل الحقيقة
المفهوم
مصل الحقيقة من العقاقير المخدرة التي تستخدم لإحداث نوع من التعطيل في التحكم الإرادي لدى الفرد مما يؤدي إلى حالة الاسترخاء التي تسلب فيها إرادة الشخص دون تأثير على إدراكه أو ذاكرته فيدلي بما في داخل نفسه أي أنه يسلب من الشخص الإدراك والتمييز وحرية الاختيار[20]
مدى الاعتماد عليها في الإثبات
هذه الوسيلة تعتبر من الوسائل العلمية الحديثة لكن ليس معنى هذا أن الفقه الإسلامي لم يضع في آرائه وأحكامه ما يخص هذه الوسيلة بل أن هناك مقاصد كثيرة تكفَّلت
بمعالجة مثل هذه الظاهرة وإن كانت لم تشر إلى هذه الوسيلة بالذات ولكنها
تبين حكم ما من شأنه المساس بجسد المتهم أو عقله أو كرامته وهو ما يقدره
الله سبحانه وتعالى في تكريم الإنسان من أجل ذلك وضعت الشريعة الإسلامية ما يحمي هذا العقل فلم تترك للبشر المساس به بأي وسيلة كانت ما دامت ستغير من
طبيعة العقل الذي خلقه الله وكرم الإنسان من أجله حتى ولو كانت لفترة
فالشريعة الإسلامية أكدت على عدم جواز إكراه المتهم للاعتراف بالجريمة من أجل الوصول إلى إقرار المتهم فإن ذلك ينصب على أي إكراه حتى ولو تحقق ذلك عن طريق استعمال مصل الحقيقة
ويؤيد ذلك ما قرره بعض الفقهاء بأن المكره نوعان:
أحدهما له فعل اختياري لكنه محمول عليه
الثاني ملجأ لا فعل له فهو كالآلة محصنة والمغلوب على عقله كمن يكون في حالة سكر ، أو جنون ، أو زوال عقل بشرب دواء ، أو بنج ، أو غضب شديد ، ونحو ذلك ففي هذه الحالة يكون مكرهًا إذا أقر بشيء[21]
لأن الله سبحانه وتعالى إنما رتب الأحكام على الألفاظ لدلالتها على
قصد المتكلم بها وإرادته فإذا ثبت أنه قصد كلامها ولم يقصد معانيها لم يجز
أن نجعله دليلا . والمتهم في حالة حقنه بمصل الحقيقة يكون مسلوب الإرادة
ولم يعد يملك حرية الاختيار لضعف السيطرة عليها[22]
وإن موقف القوانين الوضعية من استخدام مصل الحقيقة محل خلاف
حيث اختلف فقهاء القانون وتفرع هذا الخلاف إلى عدة آراء على النحو التالي :
الرأي الأول :
يتفق هذا الرأي مع الفقه الإسلامي في رفض استخدام هذه الوسيلة مع
المتهم للوصول إلى الاعتراف وذلك لما فيها من مساس بحرمة الشخص
وسلامته الجسدية
ويعلل أصحاب هذا الرأي رفض اللجوء إلى مصل الحقيقة بأنه قد يترتب عليه أضرار خطيرة بسلامة جسم الإنسان الذي يخضع لها لما
قد تسببه من أمراض قد تؤدي إلى الموت وذلك لما ينتج عن تفاعل للمواد
الكيماوية وتأثيرها على القلب والجهاز التنفسي[23]
الرأي الثاني:
ويتلخص في أنه يمكن استخدام هذه الوسيلة لكن بشرط رضاء المتهم
وفي حضور محاميه الذي يوضح له بأن النتيجة قد تكون في غير صالحه[24]
ويعلل أصحاب هذا الرأي بأن المتهم قد يتعرض لوسائل أخرى مشروعة فيها مساس بسلامته الشخصية مثل فحص الدم وغسيل المعدة ولم يعارض ذلك أحد
الرأي الثالث
ويتلخص في أن استخدام هذه الوسيلة يعد مشروعًا حتى ولو بدون رضاء
المتهم إلا أنه يعتبر ذلك إجراء استثنائيًا يجب ألا يلجأ إليه إلا في حالات
معينة مثل بعض الجرائم الخطيرة كجرائم أمن الدولة أو بالنسبة لبعض
المتهمين الخطرين
التحقيق باستخدام التنويم المغناطيسي
مدى الاعتماد عليها في الإثبات
يعتبر التنويم المغناطيسي وسيلة لقهر الإرادة وتعطيلها والاعتداء على جسم المتهم أو إكراهه بأي وسيلة من الوسائل للحصول منه على معلومات تفيد القضية أو تنسب الجريمة إليه يعتبر أمرًا محرمًا وإذا أقر المتهم في هذه الحالة فإن إقراره لا يترتب عليه أي أثر لأن الإسلام كفل حرمة الإنسان وحفظ كرامته [25]
لقول الله تعالى : ﴿ إِلاَّ من أُكْرِه وقلبه مطمئن بالإيمان )
ومن الملاحظ أن التصرفات التي يقوم بها المتهم وهو في حالة التنويم
المغناطيسي تشبه إلى حد كبير حالة النائم والمجنون وبناء عليه لو اعتبرنا
النائم مغناطيسيًا كالنائم فإنه لا يعتد بأقواله ولا أفعاله لأن ما حدث منه لم يكن
ناتجًا عن اختياره أو رضاه وإن اعتبرناه مصابًا بحالة عقلية فإنه أيضًا لا
يكون مسئولا شرعًا عما أحدثه أو أقر به لأن المسئولية الجنائية مصدرها
الوعي والإرادة الحرة والمنوم مغناطيسيًا لا وعي له ولا اختيار إضافة على
ذلك فإن التنويم المغناطيسي يشكل اعتداء على حرمة وسلامة جسم الإنسان
لما يقوم به المنوم من إكراه للمنوم للإدلاء بأقوال أو أفعال لا إرادية لم يكن
يفعلها أو يقولها لو كان في حالة الإفاقة أو اليقظة ، فالتنويم المغناطيسي يعتبر
جزءًا من الإكراه لأن الفقهاء يلحقونه به أو بالمجنون[26]
وإن كانت التصرفات والأقوال التي تصدر من النائم تحت تأثير التنويم المغناطيسي أقرب إلى الإكراه منها إلى الجنون وسواء اعتبرناه في حالة نوم أو إكراه فإن أي تصرف أو إقرار يصدر منه يكون لا أثر له [27]
ولا يختلف الأمر في الأنظمة عما هو في الشريعة الإسلامية[28]
وعلى ذلك فقد حرمت بعض التشريعات استخدام وسيلة التنويم المغناطيسي في أعمال الاستدلال أو التحقيق الجنائي لما يرون من أن هذه الوسيلة تنطوي على اعتداء على حرية المتهم وقهر لإرادته
التحقيق باستخدام جهاز كشف الكذب
تمكن العلم الحديث من ابتكار أجهزة ميكانيكية لها قدرة عالية على رصد التغيرات الانفعالية التي تعتري الشخص الخاضع لعملها والتي تصاحب عادة قول الكذب عن طريق أعضاء جسمه الذاتية ومن تلك الأجهزة الميكانيكية الحديثة جهاز كشف الكذب[29]
مدى الاعتماد عليها في الإثبات
يعتبر الإقرار هنا معترى بشبهة تعيبه وتهدر آثاره لأكثر من اعتبار
الأول : أن من حق المقر أن يرجع عن إقراره سواء كان هذا الرجوع قبل القضاء أو بعده لأن المقر قد أقر على نفسه بإرادته المطلقة فإذا رجع عن إقراره فلا يخلو من حالين :
· إما أن يكون صادقًا في الإقرار كاذبًا في الإنكار
· أو يكون كاذبًا في الإقرار صادقًا في الإنكار
وفي الحالتين فإن احتمال الصدق والكذب وارد وهذا الاحتمال يورث شبهة فإذا استندنا على التغييرات التي تطرأ على الشخص فإننا نكون قد تجاوزنا ما أخذت به الشريعة من عدم الأخذ بالإقرار الواقع تحت تأثير أي ضغط[30]
الثاني : أن التغييرات والانفعالات التي تحدث للشخص قد لا يكون لها أي صلة بالحرية أو الأسئلة الموجهة إلى الشخص وإنما قد تكون ناتجة عما يسببه الموقف النفسي للشخص أو الأمراض التي يعاني منها[31]
الثالث : أن ما ينتج من استخدام جهاز كشف الكذب هو عبارة عن قرينة ضعيفة لا تصل إلى مرتبة الدليل القاطع أو القرينة القوية فالشريعة لا تبنى أحكامها على القرائن الضعيفة وإنما على الأدلة الثابتة القاطعة والقرائن القوية.
لهذا نجد جمهور الفقهاء يذهبون إلى عدم قبول القرائن في مجال إثبات الحدود [32]
وألحق البعض جهاز كشف الكذب بعلم الفراسة لأنه يقوم على ملاحظة الانفعالات والتعبيرات النفسية التي تعتري الإنسان عند سؤاله وهو ما يحدث مع الفراسة من خلال ما يظهر على الإنسان من أعراض عند التحري عن صدقه أو كذبه
ويجاب عن ذلك :
أن جهاز كشف الكذب يتم استخدامه بطريقة آلية وبمقاييس علمية بينما تقوم
الفراسة على عمليات إسقاط التجربة على الغير[33]
واختلفت الآراء القانونية حول إمكانية استخدام جهاز كشف الكذب في المجال
الجنائي في التحقيق والقضاء
سبب الاختلاف :
يرجع هذا الخلاف إلى أن أغلب التشريعات لم تنص على استخدام جهاز كشف الكذب أو عدم استخدامه حيث انقسم الاتجاه من وجهات النظر المختلفة إلى رأيين :
الرأي الأول : يتلخص في استخدام جهاز كشف الكذب في الفقه والقضاء ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن استخدام جهاز كشف الكذب في البحث الجنائي يكون مقبولا لأنه لا يتضمن أي اعتداء على المتهم وحريته فهو يقوم على قياس التغيرات والآثار التي تحدث للخاضع للاختبار ولا تؤثر على القاضي كما أن استخدام الجهاز لا يمس حقوق[34]
والحقيقة أنه لا يجب أن تقف التقاليد القضائية أمام التطور والاستفادة من كل جديد خاصة[35]
كما أن استخدام جهاز كشف الكذب في مرحلة الاستدلال أمر هام للغاية حيث يسفر عنه الكشف عن الحقيقة من خلال معرفة صدق المتهم من كذبه فإذا كان صادقًا اتجه البحث خلف المتهم الحقيقي وإن ثبت
كذبه اتجه إلى البحث والتحري عن أدلة أخرى كافية لإدانته وكشف كذبه
الرأي الثاني : أن استخدام جهاز كشف الكذب في الفقه والقضاء أمر مرفوض :
وهذا لاتجاه لا يعطي لنتائجه أية قيمة قانونية
التحقيق باستخدام قرينة المستندات الخطية
مدى الاعتماد عليها في الإثبات
التحقيق من قول الفقهاء أن الكتابة تعد من وسائل الإثبات في الحقوق للأدلة الدالة على ذلك من الأثر كآية الدين ومن النظر وهو حاجة الناس إليها ماسة لاستيفاء حقوقهم وإبراء الذمم، وقواعد الشريعة ومقاصدها تقتضيها لحفظ الحقوق ودفع الحرج. وفي حال الاعتراض على الكتابة بالتزوير فهي دعوى تحتاج إلى دليل وإلا فالأصل إلغاؤها التحقيق باستخدام قرينة محضر الشرطة المفهوم :
المحضر عبارة عن صورة صادقة لما يتم من إجراءات
وهو أعم من التقرير لاشتماله على الوقائع وكلام الخصوم وحججهم والجواب عنها. وقد يشتمل على رسم تخطيطي لمكان الحادث.

مدى الاعتماد عليها في الإثبات
للقاضي سلطة الاقتناع بما في المحضر أو عدم اقتناعه به، وله تركه والاعتماد على أدلة أخرى
والمحضر ليس بحد ذاته حجة لكنه أمر معين للقاضي في التعرف على ملابسات القضية كأن يكون فيه شهود عيان، أو قرائن مادية أو معنوية
وفي حال عدم اقتناع القاضي بما ورد في المحضر أو التقرير يطلب إثباته بوسائل أخرى. التحقيق باستخدام قرينة الفحص الطبي فحص الطب الشرعي في مجال الإثبات له دور بارز خاصة في مجال الجنايات وهو علم واسع يسمى (بالتشريح الجنائي)
مدى الاعتماد عليها في الإثبات
صدرت فتوى من هيئة كبار العلماء بجواز التشريح تحقيقاً لمصالح
واليك نصها :
قرار هيئة كبار العلماء رقم(47) وتاريخ 20/8/1396هـ حكم تشريح الميت المسلم
الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعدففي الدورة التاسعة لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة في مدينة الطائف في شهر شعبان عام 1396هـ جرى الاطلاع على خطاب معالي وزير العدل رقم(3231/2/خ) المبني على خطاب وكيل وزارة الخارجية رقم(34/1/2/13446/3) وتاريخ 6/8/1395هـ المشفوع به صورة مذكرة السفارة الماليزية بجدة- المتضمنة استفسارها عن رأي وموقف المملكة العربية السعودية من إجراء عملية جراحية طبية على ميت مسلم؛ وذلك لأغراض مصالح الخدمات الطبية. كما جرى استعراض البحث المقدم في ذلك من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وظهر أن الموضوع ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: التشريح لغرض التحقق من دعوى جنائية. الثاني: التشريح لغرض التحقق من أمراض وبائية؛ لتتخذ على ضوئه الاحتياطات الكفيلة بالوقاية منها. الثالث: التشريح للغرض العلمي تعلماً وتعليماً. وبعد تداول الرأي والمناقشة ودراسة البحث المقدم من اللجنة المشار إليها أعلاه- قرر المجلس ما يلي: بالنسبة للقسمين الأول والثاني: فإن المجلس يرى: أن في إجازتهما تحقيقاً لمصالح كثيرة في مجالات الأمن والعدل ووقاية المجتمع من الأمراض الوبائية، ومفسدة انتهاك كرامة الجثة المشرحة مغمورة في جنب المصالح الكثيرة والعامة المتحققة بذلك، وإن المجلس لهذا يقرر بالإجماع:إجازة التشريح لهذين الغرضين، سواء كانت الجثة المشرحة جثة معصوم أم لا. وأما بالنسبة للقسم الثالث: وهو التشريح للغرض التعليمي فنظراً إلى أن الشريعة الإسلامية قد جاءت بتحصيل المصالح وتكثيرها، وبدرء المفاسد وتقليلها، وبارتكاب أدنى الضررين لتفويت أشدهما، وأنه إذا تعارضت المصالح أخذ بأرجحها. وحيث إن تشريح غير الإنسان من الحيوانات لا يغني عن تشريح الإنسان. وحيث إن في التشريح مصالح كثيرة ظهرت في التقدم العلمي في مجالات الطب المختلفة: فإن المجلس يرى: جواز تشريح جثة الآدمي في الجملة، إلا أنه نظراً إلى عناية الشريعة الإسلامية بكرامة المسلم ميتاً كعنايتها بكرامته حياً؛ وذلك لما روى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" كسر عظم الميت ككسره حياً". ونظراً إلى أن التشريح فيه امتهان لكرامته، وحيث إن الضرورة إلى ذلك منتفية بتيسر الحصول على جثث أموات غير معصومة: فإن المجلس يرى الاكتفاء بتشريح مثل هذه الجثث، وعدم التعرض لجثث أموات معصومين والحال ما ذكر. والله الموفق، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم. [36]
التحقيق باستخدام قرينة مادية عموما اتجهت الدراسات الحديثة إلى الاستفادة من الوسائل الحديثة لإثبات الجريمة وكشف مرتكبيها من خلال الآثار المادية التي يتركها الجاني في مكان الجريمة.
والآثار المادية نوعان: أ/ آثار مادية ظاهرة.
ب/ آثار مادية خفية. أولاً: الآثار المادية الظاهرة مثل: آثار الشعر قرينة المقذوفات النارية قرينة آثار الآلات وكلها من القرائن الضعيفة لأنها مبنية على الظن والتخمين ثانياً القرائن المادية الخفية وتختلف باختلاف القرينة فمثلا القضاء بقرينة آثار بالبقعة الدموية من أهم الآثار المادية التي يجدها المحقق في موضع الحادث، والتي يتعين عليه فحصها لتقديم معلومات تفيده في الكشف عن الجاني وهل هي من دمه أو دم المجني عليه.
وتعتبر البقعة الدموية قرينة قوية ضد المتهم: إذا وجدت البقعة الدموية المطابقة لفضيلة المجني عليه على المتهم أو ما يتعلق به.
وأرى من المناسب التعرض لمفهوم القرائن وحجية العمل بها عند الفقهاءوعرفها مصطفى الزرقاء[37] بقوله (كل أمارة ظاهرة تقارن شيئاً خفياً تدل عليه)وتعريفات الفقهاء متقاربة ولعل هذا أقربها
حكم العمل بالقرائنللفقهاء في ذلك قولان: الأول جواز العمل بها في طرق الإثبات
وهو قول بعض الحنفية وابن فرحون من المالكية والعز بن عبد السلام من الشافعية وابن القيم من الحنابلة. الثاني منع العمل بالقرائن
وهو قول بعض متأخري الحنفية والقرافي من المالكية. الترجيح
القول الراجح هو جواز العمل بالقرائن للأثر والنظر
الأثر
ما ورد في قصة يوسف عليه السلام كوجود الدم على قميصه قرينة على كذبهم. وكذا قصته مع امرأة العزيز ومن المعقول:
إن عدم الأخذ بالقرائن يؤدي إلى ضياع الحق خاصة في العصور المتأخرة حيث كثرت وسائل التحايل والتستر وقلب الحقائق. والعمل بالقرائن ليس على إطلاقه وإنما هو مشروط في حال عدم وجود بينة أقوى منها وعندما تكون الأدلة عند القاضي غير كافية. والعمل بالقرائن لا يعني التوسع فيها وإنما في نطاق ضيق إذا دعت إليها الحاجة.







الخاتمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وبعد
فهذه أهم النتائج التي تم التوصل إليها من خلال هذا البحث :
١- من خلال استخدام وسائل التقنية الحديثة والتي ليس فيها مساس بإرادة
المتهم وسلامته يتضح أن هناك اتفاق بين الشريعة الإسلامية
والقوانين الوضعية في استخدام بعض الوسائل مثل رفع البصمات
وآثار الدم حيث استقر التطبيق العلمي عليها وتجاوزت الخلاف بحجة
عدم مساسها بسلامة جسد المتهم
٢- إن الشريعة الإسلامية حرمت كل طريقة ووسيلة للتعذيب مهما كانت
صيانة لحرمة حياة الإنسان وكرامة له من سلب الإرادة
وهذا ما حرصت عليه التشريعات
الوضعية أخيرًا ونصت على عدم الاعتداء على المتهم للحصول منه
على اعتراف
٣- إن الشريعة الإسلامية موقفها واحد أمام كل وسيلة تثير القلق في
النفوس وتنتهك حرية الإنسان وكرامته بينما نجد في القانون الوضعي
أنه يثور خلاف حول شرعية استعمالها
٤- إن الشريعة الإسلامية وروح مقاصدها لا تعتبر النتائج المتحصل عليها
من وسائل التقنية دليلا مستقلا لإدانة المتهم بل تعتبره قرينة تعزز
وتدعم قرائن أخرى بينما نجد القوانين الوضعية وإن سارت في بعض
الاتجاه على ذلك إلا أنه يوجد خلاف بين رجال القانون حول الاستفادة
من النتائج المتحصل عليها بين مؤيد ومعارض
٥- إن الشريعة الإسلامية حرمت الاعتداء على المتهم بأي وسيلة وبغير
حكم قضائي واعتبرت أي اعتراف جاء نتيجة للإكراه لا يعتَّد به شرعًا
وهذا ما أقرته القوانين الوضعية بعد نضال طويل



















أهم المراجع - القضاء بالقرائن المعاصرة/ رسالة دكتوراه بالمعهد العالي للقضاء/ عبد الله سليمان العجلان. - البصمة الوراثية وحجيتها/ بحث في مجلة العدل العدد 23(1425هـ) عبد الرشيد قاسم. - البصمة الوراثية كدليل أمام المحاكم/ بحث في مجلة البحوث الأمنية العدد (19) د. إبراهيم الجندي. - كشف الجريمة بالوسائل الحديثة/ عبد العزيز حمدي/ عالم الكتب-القاهرة. - الإثبات والتوثيق أمام القضاء/بحث من إعداد/ عبد الرحمن بن عبد العزيز القاسم – مطبعة السعادة.
- أثر الإثبات بوسائل التقنية الحديثة على حقوق الإنسان
دراسة تأصيلية مقارنة تطبيقية
إعداد فيصل بن مساعد العنزي
- الأدلة المتحصلة من الوسائل الالكترونية في اطار نظرية الاثبات الجنائي
د علي بن محمود بن علي حمودة
- التحقيق وجمع الأدلة في مجال الجرائم الالكترونية
د محمد أبو العلا عقيدة
- التحقيق في جرائم الحاسوب
كمال بن أحمد الكركي






[1] لسان العرب (13/254)
[2] وسائل التحقيق المستحدثة وأثرها في التحقيق الجنائي في مرحلتي الاستدلال والتحقيق الابتدائي ص40
[3] الصحاح في اللغة (8/37)
[4] وسائل التحقيق المستحدثة وأثرها في التحقيق الجنائي في مرحلتي الاستدلال والتحقيق الابتدائي ص47
[5] وسائل التحقيق المستحدثة وأثرها في التحقيق الجنائي في مرحلتي الاستدلال والتحقيق الابتدائي ص 47
[6] تهذيب الموافقات للشاطبي تهذيب محمد الجيزاني دار ابن الجوزي ط 1 1421هـ ص 114
[7] أثر الإثبات بوسائل التقنية الحديثة على حقوق الإنسان دراسة تأصيلية مقارنة تطبيقية إعداد فيصل مساعد العنزي ص161
[8] حقوق الإنسان في الدعوى الجزائية مصطفى العوجي مؤسسة نوفل بيروت ط1989م ص951
[9] البصمة الوراثية وعلاقتها الشرعية سعد الدين هلالي ص35

[10] قرارات المجمع الفقهي الإسلامي : القرار السابع بشأن البصمة الوراثية. الدورة السادسة عشرة21-26/10م1422 مكة المكرمة
[11] الموقع الالكتروني للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبيةislamset.com
[12] الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ص32

[13] البند أولاً من القرار السابع من قرارات الدورة السادسة عشرة المنعقدة بمقر رابطة العالم الإسلامي ، بمكة المكرمة للفترة
من ٢١ - ٢٦ / ١٠ / ١٤٢٢ ه الموافق ٥ – ١٠ / ١/ ٢٠٠٢ م

[14] البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها نصر فريد واصل بحث مقدم لمؤتمر الدورة السادسة عشرة للمجمع الفقهي الإسلامي بمقر رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة للفترة من ٢١ - ٢٦ / ١٠ / ١٤٢٢ ه الموافق ٥ – ١٠ / ١/ ٢٠٠٢ م ، ص ٨ .
[15] مدى حجية البصمة الوراثية في الإثبات الجنائي في القانون والفقه الإسلامي إبراهيم أبو الوفا بحث مقدم لمؤتمر الهندسة الوراثية بين الشريعة والقانون المنعقد في جامعة الإمارات للفترة من ٢٢ - ٢٤ / صفر / ١٤٢٣ ه ، الموافق ٥ – ٧ مايو ٢٠٠٢ م مجلد ٢ ، ص ٢١
[16] حجية القرائن في الشريعة الإسلامية ، عدنان حسن عزايزة: ص 174
[17] الحجرات 12

[18] حجية القرائن في الشريعة الإسلامية ، عدنان حسن عزايزة ص207
[19] القرائن ودورها في الإثبات في الفقه الإسلامي ، أنور محمود دبور ص ٢١٨

[20] المسؤولية الجنائية في القانون الوضعي والشريعة الإسلامية محمد آمال الدين إمام: دار البحوث العلمية ، الكويت ، الكويت ،ط ١ ، ١٩٨٣ م ص ٤٠٣

[21] ابن القيم : أعلام الموقعين عند رب العالمين ، ج ٤ ، ص ٥٣ .

[22] المسؤولية الجنائية في القانون الوضعي والشريعة الإسلامية محمد آمال الدين إمام: دار البحوث العلمية ، الكويت ، الكويت ،ط ١ ، ١٩٨٣ م ص436
[23] الكشف عن الجريمة بالوسائل العلمية الحديثة جودة حسين جهاد: ( دار النهضة العربية، القاهرة ، مصر ، د ط ، ١٩٩٢ م )ص ٦٩ .

[24] الكشف عن الجريمة بالوسائل العلمية الحديثة جودة حسين جهاد ، ص ٧٢ .
[25] نظرية الإرادة المنفردة في الفقه الإسلامي ، بحث مقارن بين المذاهب عبد المجيد مطلوب: ( النفائس للتجارة والنشر ، القاهرة ،مصر ، د . ط ، ١٩٨٧ م ) ص ٧٧
[26] التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي ، عبد القادر عودة: ج ١ ، ص ٥٩ .
[27] المرجع السابق ، ج ١ ، ص ٥٩٢ .
[28] حسن صادق المرصفاوي : المحقق الجنائي ( منشأة المعارف ، الإسكندرية ، مصر ، ط ٢ ، ١٩٩٠ م ) ص ٩٥ .
[29] علم النفس الجنائي تأصيلاً وتحليلاً محمد فتحي ( مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ، القاهرة ، مصر ، ط ٢ ، ١٩٤٣ م )ص ١٨٩
[30] بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع علاء الدين أبو بكر بن سعود الحنفي الكاساني : دار الكتاب العربي ، بيروت ، لبنان ، ط ٢ ، ١٩٨٢ م ج ٧ ، ص ٦١

[31] النظرية العامة للإثبات العلمي حسين محمود إبراهيم: ، ص ١٢٦ .

[32] الجامع لأحكام القران أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي ( دار الكتاب العربي للطباعة النشر ، د ط ، د ت ) ج ١ ، ص ٤٤ .

[33] مشروعية الأدلة المستمدة من الوسائل العلمية ، حسن علي حسن السمني ، : ٧٦٠

[34] اعتراف المتهم ، سامي صادق الملا : ص ١٣٠ .

[35] النظرية العامة للإثبات العلمي ، حسين محمود إبراهيم : ص ١٤٢ .

[36] أبحاث هيئة كبار العلماء: المجلد الثاني 83-85
[37] المدخل الفقهي العام (2/918)

ليست هناك تعليقات: