الجمعة، 12 ديسمبر 2008

جريمة غسل الاموال (نسخة معدلة)

جريمة غسل الأموال
دراسة موضوعية لمفهومها والجرائم ذات الصلة بها وآثارها
إعداد
سامي بن فهد العقيلي
برنامج الدكتوراه في قسم السياسة الشرعية للعام الدراسي 1429/1230هـ









بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
ومن سيئات أعمالنا ..
من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ،
وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه
وعلى آله وصحبه أجمعين
المدخل :
لما كانت الأحكام القضائية وفروعها ومآخذها على وجه الخصوص محض إطلاقات وعموميات تتناول أنواعا" من الوقائع القضائية لا تنحصر كما " وكيفا".
وهي لا تقوم إلا معيّنة مشخّصة ولكل معيّن منها خصوصية ليست في غيره .
وهذا التعيين ليس معتبرا" في آحاد الأحكام بإطلاق ولا مطردا" بإطلاق
فحينا" هذا وحينا" ذاك وحينا" يأخذ من كل طرف بجهة .
ثم لا تبقى صورة أو قضية إلا وهي مشمولة بالإنتاج القضائي يعرض للجرائم الثابتة والجرائم المفوضة ومنها (جريمة غسل الأموال) التي تعتبر من أهم وأخطر الجرائم المالية في العصر الحديث
وقد اعتمدت في بحثي هذا أن يكون قراءة تحليلية للنظام الخاص بها وهو نظام مكافحة غسل الأموال الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/39 في25/6/1424
رغبة مني في الاستفادة من هذا النظام بشكل مكثف والاعتماد على إشاراته وإيماءاته مع الرجوع إلى بعض المراجع والمصادر التي عالجت الموضوع والاستئناس بها وأحب أن أتقدم للشكر بعد شكر الله لفضيلة شيخنا سعود البشر
على إتاحة هذه الفرصة هذه الفرصة للبحث والتحليل والدراسة في هذا الموضوع
مفهوم غسل الأموال
ينظر إلى عمليات غسل الأموال حتى وقت ليس بالبعيد
على أنها الأنشطة التي تتخذ لإضفاء صفة المشروعية على الأموال
المتحصلة من الاتجار غير المشروع في المخدرات، لكن هذه
النظرة سرعان ما تغيرت؛ نظراً لأن الأنشطة الرئيسية التي يقوم
عليها الإجرام المنظم ليست مقصورة على الاتجار غير المشروع
في المخدرات والمؤثرات العقلية ، وإنما تشمل أيضاً أنشطة تقليدية
مثل: الدعارة، والاتجار بالنساء، والأطفال وغيره ، إضافة إلى
الأنشطة المستحدثة مثل: الاتجار في الأعضاء البشرية، وتزوير
بطاقات الائتمان البلاستيكية الممغنطة وغيرها.
ويرى الاتجاه المعاصر في السياسة الجنائية المعاصرة أن
الأموال التي يجري غسلها تشمل الأموال المستمدة من التجارة
الإجرامية المنظمة، والأموال المستمدة من الرشوة والاختلاس
واستغلال النفوذ والتربح من وراء المشروعات العامة. و الأموال الملوثة تشمل الأموال المتحصلة من الجريمة المنظمة، وتلك المتحصلة من الجريمة بوجه عام إذا كانت هذه الجريمة على درجة من الخطورة، وتفرز أموال طائلة، فهذا ما
ينسجم مع حكمة تجريم غسل الأموال،كما أن هذا الرأي ينسجم مع
الاتجاهات العالمية في هذا الشأن، حيث أخذ المجلس الأوروبي بهذا
المفهوم الواسع للأموال القذرة، فجعلها غير مقصورة على الأموال
المتحصلة من النشاطات الإجرامية المنظمة، وقد نصت على ذلك
اتفاقية ستراسبورج التي أصدرها المجلس الأوروبي في
٨/ ١١ / ١٩٩٠ م، إذ جعلت المكافحة تشمل جميع صور الإجرام التي
على درجة من الخطورة والمعاقب عليها.
ولقد تعددت التعريفات التي اجتهد الخبراء بها في توضيح جريمة
غسل الأموال، وفي ذلك انقسمت التشريعات والآراء الفقهية في تعريف
غسل الأموال إلى قسمين: ضيق وواسع، حيث يقتصر التعريف الضيق
لغسل الأموال غير المشروعة الناتجة عن تجارة المخدرات ومن هذه
التشريعات والآراء الفقهية اتفاقية فيينا عام ١٩٨٨ ، وقانون المخدرات
والمؤثرات العقلية والسلائف اللبناني رقم ٦٧٣ / ٩٨ ، ومشروع القانون
اللبناني لتبييض الأموال والتوصية الصادرة عن مجلس المجموعة
الأوروبية عام ١٩٩١ م.
أما التعريف الواسع لغسل الأموال، فيشتمل جميع الأموال القذرة
الناتجة عن جميع الجرائم والأعمال غير المشروعة وليس فقط تلك الناتجة
عن تجارة المخدرات.[1]
ومفهوم غسل الأموال من المنظور القانوني فيه اختلاف ما بين
الدول حيث تأخذ بعض الدول بالمفهوم الضيق لغسل الأموال وتقتصر هذه
العمليات على محاولات إخفاء المتحصلات من الاتجار غير المشروع في
المخدرات دون بقية الجرائم، وتأخذ دول أخرى بالمفهوم الواسع بحيث
تشمل المتحصلات لكافة الأعمال الإجرامية[2]
المفهوم القانوني الضيق لغسل الأموال:
ركزت الأمم المتحدة في تعريفها لجرائم غسل الأموال على الأموال
الناتجة عن الاتجار غير المشروع بالمخدرات باعتبارها الأكبر حجمًا
والأكثر شيوعًا، وعلى هذا النحو يعرف دليل الأمم المتحدة للتدريب
جريمة غسل الأموال بأنها: "عملية يلجأ إليها من يعمل في الإتجار غير
المشروع، للعقاقير المخدرة لإخفاء مصدره غير المشروع، أو استخدام
الدخل من وجه مشروع يجعله يبدو وكأنه عائد من أعمال تجارية
مشروعة"[3]
وسارت على النهج السابق الاتفاقية العربية لمكافحة الاتجار غير
المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية ( ١٩٩٤ )، وهو ما يتضح من
خلال المواد الأولى والثانية والخامسة، وغير ذلك من موادها، والتي تتطابق مع نظيراتها في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية"[4]
وعلى هذا الأساس نجد أن التعريف القانوني الضيق لغسل الأموال
ركز على المتحصلات الناتجة عن الاتجار غير المشروع في المخدرات
والمؤثرات العقلية، دون أن تشمل الأموال القذرة الناتجة عن الجرائم
الأخرى في ظل هذا المفهوم، كما أن غسل الأموال ما هو إلا عملية تتيح
لجماعات الإجرام المنظم وغيرهم من مرتكبي الجرائم التي تدر عائدًا
ماليًا، التسلل داخل المؤسسات المالية والتجارية والصناعية المشروعة
سواء في داخل الدولة أو خارجها لتوظيف واستثمار أموالها المستمدة من
أنشطتها الإجرامية، فبوجود مثل هذه المشاريع المشروعة يتاح لهم ستر
أعمالهم غير المشروعة وتمويه مصدر الأموال الموظفة فيها.
التعريف القانوني الواسع لغسل الأموال:
يشمل هذا التعريف جميع الأموال القذرة التي تنتج عن جرائم
الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية، وغيرها من
الجرائم.
وعلى هذا الأساس يكون تعريف غسل الأموال الواسع أكثر شمولية،
حيث لا يقتصر على الأموال الناتجة عن الاتجار غير المشروع
بالمخدرات، وهذا ما تطالب به لجنة العمل المالي لغسل الأموال باعتبارها
جريمة من جرائم العصر، التابعة للأمم المتحدة.
وهناك عدة تعريفات وردت في شأن عمليات غسل الأموال على
المستوى الفقهي[5] والتشريعي لتشريعات الدول العربية.
فعلى المستوى الفقهي عرفت عملية غسل الأموال بأنها: "تحويل أو
نقل الأموال التي تم الحصول عليها بطرق غير مشروعة أو المتهربة من
الالتزامات القانونية إلى أشكال أخرى من أشكال الاحتفاظ بالثروة للتغطية
على مصادرها والتجهيل بها[6]
ويذهب جانب من الفقه إلى القول بأن غسل الأموال "سلسلة من
التصرفات أو الإجراءات التي يقوم بها صاحب الدخل غير المشروع أو
الناتج عن الجريمة بحيث تبدو الأموال أو الدخل كما لو كان مشروعًا
تمامًا مع صعوبة إثبات عدم مشروعيته"[7]
أما على المستوى التشريعي فقد تضمنت التشريعات العربية ثمة
تعريفات لعمليات غسل الأموال في إطار القواعد المعمول بها في
الاتفاقيات الدولية والإقليمية وسوف أعرض له في التعريف القانوني .
ومن التعريفات لغسل الأموال هو: "إضفاء صفة الشرعية بطريقة ما على
الأموال النقدية المتحصل عليها من الجرائم".
وهذا التعريف يفتقد إلى التحديد، كما أنه غير جامع ولا مانع،
لذلك عرف البعض غسل الأموال على أنه : "أية عملية من شأنها إخفاء
أو تمويه المصدر غير المشروع الذي اكتسبت أو تحصلت منه هذه
الأموال).
وهذا التعريف على بساطته، يغطي كافة الأساليب والوسائل
التي يلجأ إليها الغاسلون لإخفاء المصدر غير المشروع للمال.[8]
التعريف الفقهي لغسل الأموال:
سبق العرض لشي منها ولكن يمكن أن يقال باختصار أنها :
إضفاء الشرعية بطريقة ما على الأموال المكتسبة المستمدة من
العائدات غير المشروعة أو مجموعة العمليات المالية المتداخلة لإخفاء
المصدر غير المشروع للأموال وإظهارها في صورة أموال متحصلة من
مصدر مشروع أو المساهمة في توظيف أو إخفاء تحول العائد المباشر أو
غير ا لمباشر لجناية أو جنحة[9]
التعريف القانوني الموضوعي لغسل الأموال:
في النظام السعودي:
ورد في المرسوم الملكي رقم م/ ٣٨ وتاريخه ( ٢٥ / ٦/ ١٤٢٦ ه)،
في المادة الأولى من النظام الخاص بمكافحة جرائم غسل الأموال تعريف
غسل الأموال بأنه: "ارتكاب أي فعل أو الشروع فيه يقصد من ورائه
إخفاء أو تمويه أصل حقيقة أموال مكتسبة خلافًا للشرع والنظام وجعلها
تبدو كأنها مشروعة المصدر
في صندوق النقد الدولي :IMF
عرف غسل الأموال بأنه إعادة ضخ وتدوير أموال غير مشروعة في
الاقتصاد وفي المشروعات المالية والقانونية[10]
برنامج الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات :UNDCP
عرف غسل الأموال بأنه عملية يلجأ إليها من يعمل في تجارة
المخدرات لإخفاء المصدر الحقيقي للدخل أو المورد غير المشروع والقيام
بأعمال أخرى للتمويه لكي يبدو الدخل وكأنه تحقق من مصدر مشروع( ٢).
نفس المرجع
التعريف الإجرائي لغسل الأموال:
هو عبارة عن مجموعة عمليات متتابعة ومستمرة تهدف إلى تحويل
الأموال القذرة التي تم الحصول عليها بطرق غير مشروعة إلى دورة
النشاط الاقتصادي للاقتصاد الرسمي من أجل التغطية على مصدرها أو
إخفائه، ومن ثم إكسابها الصفة الشرعية عبر الجهاز المصرفي
والمؤسسات المالية الأخرى.[11]
وعلى ضوء ما سبق يمكن القول بأن غسل الأموال عبارة عن فعل
أو مجموعة من الأفعال المساهمة فيها عن قصد، بهدف إضفاء الشرعية
على هذه الأموال التي تم اكتسابها بطريقة غير مشروعة بارتكاب جريمة
أو جنحة يعاقب عليها التشريع سواء أكان عربيًا أو أجنبيًا، هذا التعريف
يأخذ المفهوم الواسع من خلال أخذه نوع الجريمة كأساس للتجريم ويعالج
الاختلاف التشريعي بين الدول فيما يعتبره مشروعًا أو غير مشروعًا.
جريمة غسل الأموال جريمة فرعية لجرائم أصلية
إن جريمة تبييض الأموال هي جريمة تفترض بالضرورة وقوع جريمة أولية سابقة عليها، هي التي تحصلت عنها الأموال غير المشروعة، أو الأموال غير النظيفة، فمصدر هذه الأموال جرائم ترتكب في كثير من الأحيان من قبل منظمة إجرامية وفي أحيان كثيرة لا يتوفر فيها عنصر التنظيم.
وحقيقة القول أن جريمة غسل الأموال ارتبطت منذ وجودها بالأموال الناتجة عن الاتجار غير المشروع بالمخدرات، لكثرة الأموال الناتجة عن هذه الجريمة إضافة لكونها تمد مرتكبي الجريمة بسبل القوة والنجاح، إلا أنها تبقى مع ذلك نقطة ضعف يعاني منها مرتكبو الجريمة ويمكن أن تستغلها السلطات المختصة دليل إدانة أكبر مما تتيحه الأفعال الجرمية وهذا يسمى بـ (طبيعة المصدر الجرمي للأموال
الأخرى).
· تجارة المخدرات:
أهم عمليات غسل الأموال ما تتعلق بتجارة المخدرات نظرًا للمردود الضخم من الأموال التي تدرها هذه التجارة[12] وحقيقة القول أن جريمة غسل الأموال ارتبطت منذ وجودها بالأموال الناتجة عن الاتجار غير المشروع بالمخدرات، لكثرة الأموال الناتجة عن هذه الجريمة إضافة لكونها تمد مرتكبي الجريمة بسبل القوة والنجاح، إلا أنها تبقى مع ذلك نقطة ضعف يعاني منها مرتكبو الجريمة ويمكن أن تستغلها السلطات المختصة دليل إدانة أكبر مما تتيحه الأفعال الجرمية الأخرى[13].و جهود المكافحة الدولية لغسيل الأموال جاءت ضمن جهود مكافحة المخدرات ولهذا نجد أن موضع النص دوليا على قواعد وأحكام غسيل الأموال جاء ضمن اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بمكافحة المخدرات ، ومبرر ذلك أن أنشطة المخدرات هي التي أوجدت الوعاء الأكبر للأموال القذرة بفعل متحصلات عوائدها العالية

· الرشوة:
تعتبر الرشوة من أكثر الجرائم التي يمكن أن تؤدي إلى الحصول
على أموال طائلة غير مشروعة، كما أنها تعتبر مصدرًا من مصادر الأموال المراد غسلها.
وهذه الجريمة انتشرت في كافة أقطار العالم لذلك جرمت كافة
القوانين المتعلقة بالرشوة باعتبارها من الجرائم التي لها بالغ الأثر في عدم
رقي المجتمعات الإنسانية، كما فرضت هذه القوانين عقوبات لمن يرتكبها
تتراوح بين الحبس والغرامة
فيكون المال المستفاد عن طريق الرشوة يأخذ قالب الشرعية عن طريق الدخول في تعاملات في ظاهرها شرعية .
وقد جاء النص عليه على وجه الخصوص في نظام مكافحة غسل الأموال في الفقرة (هـ)من المادة الثانية :
(الاشتراك بطريق الاتفاق أو المساعدة أو التحريض أو تقديم الرشوة أو النصح أو التسهيل أو التواطؤ أو التستر أو الشروع في ارتكاب أي فعل من الأفعال المنصوص عيها في هذه المادة.)[14]
وذلك في إطار التعريف بمرتكب جريمة غسل الأموال فشمل التعريف به المرتشي المسهل لعملية غسل الأموال وهذا يظهر سر العلاقة الوثيقة بين الرشوة وغسل الأموال

· التزوير
تعتبر هذه الجرائم من أهم الجرائم المرتبطة بالفساد الإداري، فضلا
عن ارتباطها بعملية غسل الأموال، حيث يتجه الحاصلون على هذه الأموال ذات القيمة الكبيرة إلى إيداعها في بنوك أجنبية خارج البلاد، وذلك بهدف استرجاعها في المستقبل بطريقة مشروعة.
وقد صدر نظام خاص يجرم التزوير وهو خاص بمكافحة التزوير الصادر بالمرسوم الملكي رقم (114)في 26/11/1380هـ[15]
ولا يخفى أن التزوير من الجرائم المالية ذات الصلة الكبيرة بغسل الأموال التي تستفيد من إخراجه على الوجه الشرعي من حيث الشكل والظاهر

· الدعارة ( الرقيق الأبيض)
يعتبر الاتجار في الدعارة مصدرًا من مصادر الأموال غير المشروعة ، كما نجد أن هذا النوع من التجارة غير المشروعة يتم في سرية تامة بعيدًا عن إشراف ورقابة السلطات المعنية ويتعامل فيها عصابات وسماسرة دوليون وذلك سعيًا وراء الكسب المادي وبصورة تتنافى مع القوانين والتشريعات المجرمة لذلك خاصة مع شيوع استخدام الانترنت التي سهلت إدارة شبكات عالمية للأنشطة الإباحية وأنشطة القمار غير الشرعية [16]
علاقة جريمة غسل الأموال باستغلال الرقيق الأبيض
هناك علاقة وثيقة بين جريمة وعمليات غسل الأموال وبين استغلال الرقيق الأبيض وتهريب النساء لغرض الدعارة وبيع الهوى فكثير من الأموال المتحصلة من غسل الأموال هي ناتجة عن تجارة الرقيق الأبيض وتجارة المتعة الجنسية وغالب الجهات الإجرامية التي تقوم بغسل الأموال غير المشروعة عن طريق مزج الإيرادات من تجارة الرقيق الأبيض بغيرها من الإيرادات المشروعة
علاقة جريمة غسل الأموال بالأعمال الإرهابية
يعتبر تمويل الإرهاب مصدر قلق شديد لمجتمع الدولي بأسره ويلاحظ أن عدد وخطورة أعمال الإرهاب يتوقفان على التمويل الذي يمكن أن يحصل عليه الإرهابيون ولا شك أن عمليات غسل الأموال من أهم مصادر التمويل للعمليات الإرهابية[17]
والناظر لنظام مكافحة غسل الأموال يجد أن مفردة الإرهاب حاضرة باستمرار
فقد وردت في المادة الأولى في التعريفات الألوية
النشاط الإجرامي: أي نشاط يشكل جريمة معاقباً عليها وفق الشرع والنظام بما في ذلك تمويل الإرهاب والأعمال الإرهابية والمنظمات الإرهابية.[18]
كما ورد ذكرها في الضابط الذي مرتكباً جريمة غسل الأموال كل من فعل أياً من الأفعال الآتية :
د ـ تمويل الإرهاب والأعمال الإرهابية والمنظمات الإرهابية .[19]
كما ورد ذكرها في المادة السابعة في سياق واجب المؤسسات المالية وغير المالية ـ عند توافر مؤشرات ودلائل كافية على إجراء عملية وصفقة معقدة أو ضخمة أو غير طبيعية أو عملية تثير الشكوك والشبهات حول ماهيتها والغرض منها ، أو أن لها علاقة بغسل الأموال أو بتمويل الإرهاب أو الأعمال أو المنظمات الإرهابية ـ أن تبادر إلى اتخاذ الإجراءات المنصوص عليها نظاما"[20]
عقوبة جريمة غسل الأموال
عنيت الوثائق الدولية والأنظمة والتعليمات المحلية بإخضاع مرتكبي جريمة غسل الأموال لطائفة متنوعة من الجزاءات الجنائية التي جمعت بين العقوبات التقليدية –
سواء أكانت مقيدة للحرية أم تمس الذمة المالية – والتدابير الاحترازية سواء أكانت تدابير عينية أم شخصية – الأمر الذي يتناسب مع جسامة هذه الجريمة وخطورتها، كما يتفق مع الاتجاه الغالب في الفقه القانوني المعاصر الذي يحبذ انتهاج سياسات عقابية أكثر تشددًا، إزاء غاسلي الأموال وغيرهم من مرتكبي الجرائم ذات الدافع المالي، ونبذ المعاملة المتسمة بالرأفة والتسامح لمثل هذه الجرائم[21]
والملاحظ أن المنظم في شتى الدول انتهج خطة مشددة في العقاب على نشاط غسل الأموال هدفها مواكبة الصور المختلفة المعاصرة لنشاط غسل الأموال مع تنوع في العقوبات المطبقة في حالة ارتكاب الجريمة،تتراوح بين عقوبات مالية كالغرامات، والمُصادرة وعقوبات سالبة للحريات، بالإضافة إلى نوعية مستحدثة من العقوبات، هي عقوبات الانضباط التي نص عليها القانون النموذجي للأمم المتحدة الصادر عام
١٩٩٥ م( ٢).
ولتوضيح هذه العقوبات نحاول عرضها كما وردت في النظام السعودي والقرارات المنظمة.
أقدمت السلطات في المملكة منذ عدة سنوات على وضع التشريعات وإصدار التعليمات للقطاع المالي والمصرفي، بغرض تعزيز سلامته ومتانته. وهدفت هذه التشريعات والتعاميم على صعيد مكافحة غسل الأموال التأكد من سلامة معاملات المصارف والمؤسسات المالية وإتباعها لمبادئ الحيطة والحذر في هذا الشأن، ومع أن إجراءاتها الداخلية تمكنها من معرفة هوية العملاء والأنشطة التي يقومون بها. وقد حدد نظام مكافحة غسل الأموال الصادر بقرار مجلس الوزراء رقم ٣٩ في
٢٠ / ٦/ ١٤٢٤ هـ دور البنوك والمؤسسات المالية وغير المالية ما هو
مطلوب منه عمله في مادته الثالثة أنه يعد مرتكبًا جريمة غسل الأموال كل
من فعل أيَاً من الأفعال الواردة في المادة الثانية من نفس النظام أو اشترك
فيه من رؤساء مجالس إدارات المؤسسات المالية وغير المالية أو أعضائها
أو أصحابها أو موظفيها أو ممثليها المفوضين أو مدققي حساباتهم أو
مستخدميها فيمن يتصرفون بمقتضى هذه الصفات، مع عدم الإخلال
بالمسؤولية الجنائية للمؤسسات المالية وغير المالية عن تلك الجريمة إذ
ارتكبت باسمها أو لحسابها.
ومن الخطوات المهمة التي اتخذتها المملكة في هذا الشأن صدور
القرار رقم (م/ ٣٩ بتاريخ ٢٥ / ٦/ ١٤٢٦ هـ) من قبل مجلس الوزراء،
الذي نص على الموافقة بتطبيق التوصيات الأربعين لمكافحة غسل الأموال
الصادر عن (الفاتف ١٩٩٠ )[22]كما تم في إطار هذا القرار، تجريم
عمليات غسل الأموال وإقرار عقوبات لها وفق القوانين الجنائية
السعودية.
ومن العقوبات المقررة في جرائم غسل الأموال في النظام ما يلي:
بالنظر إلى نظام مكافحة جرائم غسل الأموال السعودي الصادر
بالمرسوم الملكي رقم م/ ٣٩ بتاريخ ٢٥ / ٦/ ١٤٢٦ ه، نجد العقوبات فيه
ليست من فئة واحدة بل تباينت تلك العقوبات بشكل طبيعي نظرًا لاختلاف
جسامة الأفعال المرتكبة من جراء اختلاف الخطورة الإجرامية التي
يجسدها مرتكب كل فعل من الأفعال.
كما أن مرتكبي الجريمة ليسوا على نمط واحد من حيث الطبيعة إذ
إن هناك من الأفعال التي قد ترتكب من قبل شخص طبيعي وهناك من
الأفعال التي ترتكب من شخص اعتباري ومن ثم كان لابد من بيان طبيعة
تلك العقوبات في كل نوع على النحو التالي:
١- يعاقب كل من يرتكب جريمة غسل الأموال المنصوص عليها
في المادة (الثانية) من هذا النظام بالسجن مدة لا تزيد على عشرة سنوات
وبغرامة مالية لا تزيد على خمسة ملايين ريال أو بإحدى العقوبتين مع
مصادرة الأموال والمتحصلات والوسائط محل الجريمة، وإذا اختلطت
الأموال والمتحصلات بأموال اكتسبت من مصادر مشروعة كانت هذه
الأموال خاضعة للمصادر في حدود ما يعادل القيمة المقدرة للمتحصلات
غير المشروعة.
وللمحكمة المختصة أن تعفي من هذه المتحصلات مالك الأموال أو
المتحصلات موضوع التجريم أو حائزها أو مستخدميها إذا أبلغ السلطات
قبل علمها بمصادر الأموال أو المتحصلات وهوية المشتركين، دون أن
يستفيد من عائدها.
أ- تقوم جهة التحقيق بتقدير القيمة المقدرة للمتحصلات غير
المشروعة من خلال الاستعانة بأصحاب الخبرة ويصدر بشأنها
حكم من المحكمة المختصة.
ب- يتم تقديم طلب النظر في الإعفاء من تطبيق العقوبات على
المبلغ من قبل الجهة المختصة بالتحقيق.
ت- عند تلقي مثل هذه البلاغات تتخذ إجراءات البحث والتحري
للتحقق من عدم علم السلطات بالجريمة[23].
٢- تكون عقوبة السجن مدة لا تزيد عن خمس عشرة سنة وغرامة
مالية لا تزيد على سبعة ملايين ريال سعودي إذا اقترنت جريمة غسل
الأموال بأي من الحالات الآتية.
أ- إذا ارتكب الجاني جريمة من خلال عصابة منظمة.
ب- استخدام الجاني للعنف أو الأسلحة.
ج- شغل الجاني وظيفة عامة واتصال الجريمة بهذه الوظيفة،
أو ارتكابه الجريمة مستغلا سلطاته أو نفوذه.
د- التغرير بالنساء أو القصر واستغلالهم.
ه- ارتكاب الجريمة من خلال مؤسسة إصلاحية أو خيرية
أو تعليمية أو في مرفق خدمة اجتماعية.
و- صدور أحكام محلية أو أجنبية سابقة بالإدانة بحق الجاني،
وبوجه خاص في جرائم مماثلة[24]
٣- يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن سنتين وبغرامة مالية لا تزيد عن
خمسمائة ألف ريال، أو بإحدى العقوبتين كل من أخلّ من رؤساء مجالس
إدارات المؤسسات المالية وغير المالية أو أعضائها أو أصحابها أو
مديريها أو موظفيها أو ممثليها المفوضين عنها أو مستخدميها ممن
يتصرفون بمقتضى هذه الصفات بأي من الالتزامات الواردة في المواد
(الرابعة، والخامسة، والسادسة، والسابعة، والثامنة، والتاسعة، والعاشرة)
من هذا النظام دون الإخلال بالأنظمة القائمة، ويسري تطبيق العقوبة على
من يزاول النشاط دون الحصول على التراخيص اللازمة.
٤- يجوز الحكم بغرامة بناء على ما ترفعه الجهة المختصة أو توقع
على المؤسسات المالية وغير المالية التي تثبت مسؤوليتها وفقًا لأحكام
المادتين (الثانية والثالثة) من هذا النظام بغرامة مالية لا تقل على مائة ألف
ريال ولا تزيد على ما يعادل قيمة الأموال محل الجريمة.
أ- الجهة المختصة في هذه المادة هي هيئة التحقيق والإدعاء العام.
ب- تستند دعوى مسؤولية المؤسسات المالية وغير المالية على
التقارير الفنية التي تصدر عن الجهات الرقابية بالإضافة إلى
طرق الإثبات الأخرى.
ج- لا يتعارض تطبيق العقوبات الواردة في هذا المادة مع الجزاءات
الإدارية والتأديبية المنصوص عليها في الأنظمة الأخرى التي
يمكن أو تقع على المؤسسات المالية وغير المالية من قبل
الجهات الرقابية حيال ثبوت مسؤوليتها[25]
٥- فيما عدا العقوبات المنصوص عليها في هذا النظام، يعاقب من
يخالف أحكامه بالسجن مدة لا تزيد عن ستة أشهر وبغرامة مالية لا تزيد
عن مائة ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين[26]
٦- لا تطبق العقوبات الواردة في هذا النظام بحق من وقع في
مخالفته بحسن نية.
ويقدر حسن النية من الجهة القضائية المختصة ويستدل عليه من
الظروف والملابسات الموضوعية.[27]
وتعد المصادرة إحدى العقوبات التكميلية التي توقع عند ارتكاب جناية أو جنحة
يتضح مما سبق أن المصادرة في نطاق جريمة غسل الأموال تشتمل كافة الأموال المتحصلة عن جريمة من الجرائم التي حددها المنظم في نظام مكافحة غسل الأموال، التي تم غسلها أو التي من المعتزم غسلها في الحالة التي يقف فيها نشاط الجاني عند مرحلة الشروع وكذلك كافة الأشياء أو الآلات التي استخدمت في عمليات الغسيل [28]
الجهة المختصة بالنظر في النظر في خصومات جريمة غسل الأموال
الجهة المختصة بالنظر في النظر في خصومات جريمة غسل الأموال هي المحاكم العامة وهو ما نصت عليه: المادة السادسة والعشرون :
تختص المحاكم العامة بالفصل في جميع الجرائم الواردة في هذا النظام .[29]
وتعتبر هذه الجرائم من الجرائم الهامة التي تحال إلى المحكمة العامة حسب الأمر السامي رقم ٤/ب/ ١٢٧٢٩ وتاريخ ٢٤ / ٩/ ١٤١٩ هـ، والتي تقضي فيها المحكمة بعقوبة تعزيرية باعتبارها من الجرائم التعزيرية التي يترك تقدير العقوبة فيها لولي الأمر أو من ينيبه.



الجهة المختصة التي تمثل الدولة في الادعاء أمام القضاء
الجهة المختصة التي تمثل الدولة في الادعاء أمام القضاء هي هيئة التحقيق والإدعاء العام وهو ما نصت عليه المادة السابعة والعشرون من نظام مكافحة غسل الأموال:
تتولى هيئة التحقيق والإدعاء العام التحقيق والإدعاء أمام المحاكم في الجرائم الواردة في هذا النظام .[30]



الآثار الاقتصادية والاجتماعية لهذه الجريمة
جريمة غسل الأموال من الجرائم المالية التي يترتب عليها أثار سلبية متنوعة منها ما يلي:
استقطاعات من الدخل القومي ونزيف للاقتصاد الوطني لصالح الاقتصاديات الخارجية.
زيادة السيولة المحلية بشكل لا يتناسب مع الزيادة في إنتاج السلع والخدمات.
التهرب من سداد الضرائب المباشرة ومن ثم معاناة خزانة الدولة من نقص الإيرادات العامة عن مجمل النفقات العامة.
شراء ذمم رجال الشرطة والقضاء والسياسيين مما يؤدي إلى ضعف كيان الدولة واستشراء خطر جماعات الإجرام المنظم
وفيما يلي أهم تلك الآثار على جهة التفصيل :
الآثار الاقتصادية لجريمة غسل الأموال
· أثر جريمة غسل الأموال على الدخل القومي :
لأنها تؤدي إلى استقطاب الأموال المهربة من الدخل القومي
· تؤثر جريمة غسل الأموال تأثيرا سلبيا" على توزيع الدخل القومي
· تؤدي هذه الجريمة إلى تدفق نقدي نحو الاستهلاك لدى الفئات التي تتسم بعدم الرشد
· تؤثر هذه الجريمة سلبا"على قيمة العملة الوطنية لارتباطها بتهريب الأموال إلى الخارج
· تؤدي هذه الجريمة إلى زيادة معدلات البطالة لأنه يقل الانفاق الاستثماري على المشروعات اللازمة تشغيل الأيدي العاملة
· تؤدي هذه الجريمة إلى زيادة الانفاق على الاستهلاك لان مرتكب هذه الجريمة لا يبذل جهدا في الحصول على الأموال
· تؤدي هذه الجريمة إى انخفاض معدل الإدخار بسبب هروب رأس المال إلى الخارج
· تشويه صورة الأسواق المالية
الآثار الاجتماعية
· البطالة
من جهة أن هروب الأموال إلى الخارج يحرم اقتصاد البلد من جزء من ناتجها القومي الذي يمكن أن تستثمره في مشروعات تشغلها الايدي العاملة الوطنية
· انتشار الأوبئة والأمراض الاجتماعية
وذلك بسبب عدم القدرة على العلاج لعد توافر الاموال المهربة
· تؤدي هذه الجريمة إلى حيلولة تبوء أصحاب الكفاءات مجالات العمل
· هذه الجريمة تجعل مرتكبيها يتحكمون في المراكز الاقتصادية والاجتماعية
· هذه الجريمة تجعل مرتكبيها يتحكمون في مراكز صنع القرار
· تمويل ودعم النزعات الدينية والعرقية[31]

جهود المملكة العربية السعودية في مكافحة غسل الأموال
قدمت المملكة العربية السعودية في مكافحة غسل الأموال جهودا" عظيمة تتمثل في
· إصدار التشريعات المجرمة لعمليات غسل الأموال
· تركيز جهات أمنية لمتابعة هذه العمليات
في المجال التشريعي
ويتمثل فيما يلي
1- الشريعة الإسلامية.
٢ - اتفاقية الأمم المتحدة لعام ( ١٩٨٨ م) بشأن مكافحة الاتجار غير
المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية.
٣ - التوصيات الأربعين لفرقة العمل للإجراءات المالية المنبثقة عن
قمة الدول السبعة.
1- الشريعة الإسلامية
سياسة الشريعة الإسلامية في مكافحة هذه الظاهرة جاءت
غاية في الحكمة والعظمة، فهي لم تشأ أن تترك مثل هذه الظاهرة حتى
تطرأ على دنيا الناس، ثم تقرر لها عقوبة، فغالباً مالا تؤدي العقوبات إلى
ردع من تأصل الإجرام في نفسه وضميره لذلك فإن الشريعة الإسلامية،
تمثلت سياستها في منع مثل هذه الظواهر المرضية من الظهور أصلاً،
وذلك بأن بينت الأصول والقواعد التي يجب أن ينشأ عليها الفرد المسلم
فجاءت أوامرها ونواهيها وآل تعليماتها لتأخذ بيد المسلم بعيداً عن الجريمة
والإجرام، فهي تربي المسلم على الفضيلة والسلوك القويم، وتبعده عن
الرذيلة والسلوك المنحرف، وهكذا تمثلت سياستها بخصوص هذه الظاهرة.
فإذا كانت هذه الظاهرة - وكما سبق - لا يمكن أن توجد مستقلة غير
ناتجة عن جريمة سبق ارتكابها.
لذلك فقد قررت الشرعية الإسلامية سياستها المنعية بالنسبة للجريمة
المتحصل منها هذه الأموال، ثم قررت العقوبة المناسبة بحسب خطورة
الجرم والآثار المترتبة عليه أو تركت لولي الأمر تقدير هذه العقوبة.[32]

2- اتفاقية الأمم المتحدة لعام ( ١٩٨٨ م) بشأن مكافحة الاتجار غير
المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية.
والتي تم إعداد مشروعها من قبل المجلس الاجتماعي والاقتصادي
للأمم المتحدة، واعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة المنعقدة في فيينا في ٢٥ تشرين الثاني/ نوفمبر - ٢٠ كانون الأول /ديسمبر ١٩٨٨ م.
وصدرت الموافقة عليها بالمرسوم الملكي الكريم رقم (م/ ١٩ )
وتاريخ ١٥ / ٧/ ١٤١٠ هـ
٣ - التوصيات الأربعين لفرقة العمل للإجراءات المالية المنبثقة عن
قمة الدول السبعة.
على أن يكون تطبيقها وفقاً للأنظمة المعمول بها في المملكة العربية
السعودية
في مجال تركيز جهات أمنية لمتابعة هذه العمليات
الأجهزة المعنية بمكافحة عمليات غسل الأموال في المملكة
العربية السعودية متعددة ولكن هناك أجهزة محددة مختصة بمواجهة عمليات غسل
الأموال بالمملكة العربية السعودية وتتمثل هذه الأجهزة في:
١ - الإدارة العامة لمكافحة المخدرات كجهاز شرطي.
والحكمة من مباشرة التحقيق في عمليات الغسل إبتداء من الإدارة العامة لمكافحة المخدرات أن من شأن ذلك أن يحد من جرائم غسل الأموال الناتجة عن تجارة المخدرات.
وقد تم إحداث قسم خاص بالإدارة العامة لمكافحة المخدرات لغسل الأموال وهو قسم مكافحة غسل الأموال أُدرج ضمن الهيكل التنظيمي للإدارة العامة لمكافحة المخدرات بكل منطقة من مناطق المملكة.[33]
2­- شعبة المراقبة المالية في وزارة الداخلية
وتختص شعبة المراقبة المالية بما يلي:
· تلقي البلاغات.
· الإشراف على عمليات البحث والتحري.
· الإشراف على القبض والتفتيش.
· متابعة المعلومات مع الشعب.
· الإشراف على إجراءات التحقيق.
· إصدار التعاميم المتعلقة بتنظيم العمل.
· إبلاغ التعاميم المتعلقة بغسل الأموال.
· تنفيذ التوصيات الصادرة عن المؤتمرات الدولية بهذا الجانب.
· إعداد وجهة نظر الإدارة فيما يتعلق بموقف المملكة من
الموضوعات التي تدرج في المحافل الدولية التي تتعلق بعمليات
غسل الأموال.
· إيصال واستخدام المعلومات من النهاية الطرفية.
كما تختص شعبة التنسيق المصرفي بما يلي:
· التنسيق بين شعب مكافحة غسل الأموال بالمملكة.
· التنسيق مع مؤسسة النقد العربي السعودي في أعمال اللجان
وإعداد دراسات الحسابات المصرفية.
· التنسيق مع ضباط الاتصال في الدول التي بها مكاتب لإدارة
المخدرات.[34]

3 - المصارف السعودية والجهاز المصرفي السعودي.
وذلك لن جرائم غسل الأموال من الجرائم المصرفية و تضطلع مؤسسة النقد العربي السعودي بدور فاعل في هذا المجال، بحيث توحد الإجراءات المصرفية اللازمة
لمتابعة هذه العمليات، وعدم إفلات أي عملية من المتابعة، وتقوم البنوك
السعودية وكافة المؤسسات المالية بالمملكة بالتنسيق والتعاون فيما بينها
لمتابعة لهذه العمليات[35]
وألزمت مؤسسة النقد العربي السعودي البنوك تبني الدليل الصادر
عنها بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال، آما ألزمت المؤسسة البنوك
السعودية بجعل الدليل جزءاً من أنظمتها وإجراءاتها الداخلية بهدف الكشف
عن الأنشطة غير المشروعة ومكافحتها


صلة عقوبة هذه الجريمة بفقه السياسة الشرعية
ما من ريب أن فقه السياسة الشرعية باب واسع للاجتهادات فيما لا نص فيه من كتاب أو سنة وقد أصل فقهاء الإسلام فكرة راسخة في هذا .
يقول أبو العباس ابن تيمية:
(الواجب تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها .
فإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما ودفع أعظم المفسدتين مع احتمال أدناهما : هو المشروع )[36].
وبنظرة تحليلية لبنية هذا النقل عن هذا العالم المجتهد نجد أن الشريعة الإسلامية مبناها على الموازنة والمقارنة بين المصالح والمفاسد .
فإذا وجد ولي الأمر مصلحة متحققة أو راجحة في تقنين تنظيم معين فإن له ذلك تمشياً مع القاعدة الفقهية الأصيلة أن تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة ومن هنا جاء سن بعض الأنظمة ومنها نظام مكافحة غسل الأموال إذ أنه من السياسة العادلة الكاملة
يقول ابن القيم [37]رحمه الله تعالى :
( ومن له ذوق في الشريعة واطلاع على كمالاتها وتضمنها لغاية مصالح العباد في المعاش والمعاد ومجيئها بغاية العدل الذي يفصل بين الخلائق وأنه لا عدل فوق عدلها ولا مصلحة فوق ما تضمنته من المصالح : تبين له أن السياسة العادلة جزء من أجزائها وفرع من فروعها وأن من له معرفة بمقاصدها ووضعها وحسن فهمه فيها لم يحتج معها إلى سياسة غيرها البتة)[38] .
ومن خلال تأمل هذا النقل نستطيع الخروج بالنتائج الآتية :
أن عقوبة هذه الجريمة هو جزء من أجزاء السياسة الشرعية العادلة وفرع من فروعها.
أن فقه السياسة الشرعية قائم على تحصيل المصالح وتكميلها ودرء المفاسد أو تقليلها وإجراء أي تعديل في النصوص النظامية والقانونية المتعلقة بهذه الجريمة لا بد أن يحقق هذه الغايات العظيمة .
أن هذه الأنظمة والقوانين ومنها نظام مكافحة غسل الأموال يعتبر أساساً من وضعية التشريع ومنبعها التعمق في مقاصد الدين الإسلامي والاطلاع على كمالاته .
أن الذوق الفقهي المشرع للأنظمة ، ومنها نظام مكافحة غسل الأموال محكوم بمعرفة المقاصد الدينية والغايات الشرعية ومنضبط بإدراك أدوات التفكير العلمي وآليات الاجتهاد الفقهي .
أن السياسة الشرعية تغني عن كافة الأساليب الوضعية والمنهجيات الأرضية التي تفرز الكثير من الأنظمة التي تخضع لكثير من المآخذ .
أنه لا بد من القراءة الموضوعية والمنهجية الاطلاعية للمضامين الفقهية المرنة في أبواب الفقه المتعددة وخاصة في باب السياسة الشرعية .
ويمكن أن يقال :
أن عقوبة جريمة غسل الأموال شأنها شأن كافة العقوبات التعزيرية فهي من الفقه المفوض وليست من الفقه الثابت .


















الخاتمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وبعد
فهذه هي أهم النتائج والتوصيات التي استخلاصها من هذا البحث
النتائج :
· أن الشريعة الإسلامية كانت ولا زالت سباقة لحماية وصيانة الأموال كسبا" وإنفاقا ومن هذا المنطلق يتبين تحريم غسل الأموال لأن مصدرها خبيث وغير مشروع
· من الـتأصيل الشرعي لجريمة غسل الأموال تبين أنها جريمة تعزيرية توجب عقوبة تعزيرية مناسبة حسب ما يقرره ولي الأمر
· ترتبط جريمة غسل الأموال بالجريمة عموما ولا يقف عند ذلك بل قد يعاد استخدام الأموال المغسولة في جرائم جديدة وهو ما يسمى بإعادة غسل الأموال
· جريمة غسل الأموال جريمة مستقلة وذات طابع اقتصادي فهي من الجرائم المالية العابرة للحدود
· الاتجاه الدولي الحديث في السياسة الجنائية يجرم غسل الأموال المتأتية من التجارة الإجرامية بشتى صورها وأشكالها وفي السلع والخدمات غير المشروعة وبكافة صورها التقليدية والمستحدثة
· هناك علاقة وارتباط بين جريمة غسل الأموال وجرائم غسل الأموال الأخرى

التوصيات
- الارتقاء بمستوى الكوادر المصرفية والأمنية والقضائية التي تعمل في مكافحة جرائم غسل الأموال من خلال برامج تدريبية مشتركة ومتطورة مع الاستفادة بالخبرات المحلية والدولية في هذا الخصوص بما يكفل حسن إعدادهم للقيام بهذه الاختصاصات ومسايرة التطور العالمي في مجالا الائتمان وترسيخ قواعد العمل المهني السليم في هذا المجال.
- ضرورة الإسراع بتجريم عمليات غسل الأموال في تشريعات الدول مع التنسيق بين هذه التشريعات تحقيقًا للفاعلية المنشودة في هذا المجال.
والحمد لله رب العالمين


المراجع
· جرائم غسيل الأموال: المفهوم، الأسباب والآثار الاقتصادية.خالد المشعل بحث منشور في مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية العدد (30) عام 1421هـ
· الاساليب المستحدثة في غسيل الاموال وكيفية التغلب عليها، بحث مقدم في الحلقة العلمية المعنونة بـ ( القواعد التنظيمية لمكافحة المخدرات وغسل الاموال) المنامة – البحرين ( شوال 1425).
· أحكام غسل الأموال - دراسة مقارنة بين نظام مكافحة غسل الأموال السعودي والانظمة والاتفاقيات الدولية
الرسالة التي تقدم بها باحث الدكتوراه عبدالله بن ثنيان الثنيان
· نظام مكافحة غسل الأموال الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/39 في25/6/1424
· جرائم غسيل الاموال
دراسة في ماهية ومخاطر جرائم غسيل الاموال والاتجاهات الدولية لمكافحتها وبيان بخطط المصارف لمواجهة هذه الجرائم
المحامي يونس عرب
· الطرق الحكيمة في السياسة الشرعية لابن قيم الجوزية ص4 ، ط1 ، 1415هـ نشر دار الكتب العلمية بيروت .
· السياسة الشرعية تأليف تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية ص40 طبع ونشر وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد .
· جريمة غسل الأموال
دراسة حول مفهومها ومعوقات التحقيق فيها واشكاليات تنسيق الجهود الدولية لمواجهتها
صقر بن هلال المطيري
· اجراءات التحقيق في جريمة غسل الأموال في المملكة العربية السعودية مشعل بن عبد الله العتيبي
· أثر السرية المصرفية على مكافحة جرائم غسل الأموال
دراسة تأصيلية تطبيقية مقارنة
العتيبي سعود ذياب
· المواجهة الأمنية لعمليات غسل الأموال في المملكة العربية السعودية
دراسة مقارنة
عبد العزيز بن محمد بن ابراهيم العيسى


[1] أثر السرية المصرفية على مكافحة جرائم غسل الأموال دراسة تأصيلية تطبيقية مقارنة إعداد الطالب سعود ذياب العتيبي ص84
[2] نفس المرجع ص 85
[3] البشري، محمد الأمين، دور الشرطة في مكافحة الجريمة الاقتصادية من خلال التحقق من جرائم غسل الأموال، بحث مقدم لمؤتمر الجريمة الاقتصادية في عصر العولمة، شرطة الشارقة، الإمارات العربية المتحدة، ٢٠٠٢ ، ص ٨.
[4] الخريشة، أمجد سعود قطيفان، جريمة غسل الأموال، دراسة مقارنة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، بيروت،
لبنان، ٢٠٠٦ م، ص ٢٧ .
[5] يقصد بالفقهي الفقه القانوني وليس الشرعي
[6] عبد الخالق، السيد أحمد، الآثار الاقتصادية والاجتماعية لغسل الأموال، مجلة الدراسات القانونية والاقتصادية، كلية الحقوق، جامعة المنصورة، القاهرة، ١٩٩٧ م، ص ٣.
[7] عبد العظيم، حمدي، غسل الأموال جريمة العصر البيضاء، مجلة وجهات نظر الشركة المصرية للنشر العربي والدولي، القاهرة، العدد ( ١٦ ) السنة ( ٢)، ٢٠٠٠ م، ص ٤٤ .
[8] جريمة غسل الأموال دراسة حول مفهومها ومعوقات التحقيق فيها وإشكاليات تنسيق الجهود الدولية لمواجهتها إعداد صقر بن هلال المطيري

[9] قشقوش، هدى حامد، جريمة غل الأموال في نطاق التعاون الدولي، دار النهضة العربية، القاهرة، ١٩٨٨ ، ص ٧.

[10] عصام الترساوي، بحث بعنوان الجديد في موضوع غسل الأموال، مؤتمر الأمم المتحدة التاسع لمنع الجريمة، ١٩٩٥م.
[11] أثر السرية المصرفية على مكافحة جرائم غسل الأموال دراسة تأصيلية تطبيقية مقارنة إعداد الطالب سعود ذياب العتيبي ص 18
[12] شافعي، نادر عبد العزيز، تقديم القاضي، غسان رباح، تبييض الأموال، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان، ٢٠٠١ ، ص ١١٣ .
أثر السرية المصرفية على مكافحة جرائم غسل الأموال دراسة تأصيلية تطبيقية مقارنة إعداد الطالب سعود ذياب العتيبي ص 103
[14] نظام مكافحة غسل الأموال الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/39 في25/6/1424
[15]نظام مكافحة التزوير الصادر بالمرسوم الملكي رقم (114)في 26/11/1380هـ
[16] جرائم غسيل الأموال المحامي يونس عرب دراسة في ماهية ومخاطر جرائم غسيل الأموال والاتجاهات الدولية لمكافحتها وبيان بخطط المصارف لمواجهة هذه الجرائم
[17] الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب ص2
[18] المادة الأولى من نظام مكافحة غسل الأموال
[19] المادة الثانية من نظام مكافحة غسل الأموال
[20] المادة السابعة من نظام مكافحة غسل الأموال
[21] منير، مصطفى، جرائم إساءة استعمال السلطة الاقتصادية، رسالة دكتوراه (غير منشورة)، كلية الحقوق،
جامعة القاهرة، ١٩٨٩ م، ص ٣٣٧ .
[22] التوصيات الأربعون الصادرة عن مجموعة العمل المالية .(FATF
[23] اللائحة التنفيذية، الصادرة بتاريخ ١/ ٨/ ١٤٢٦ ه، انظر المادة السادسة عشر.
[24] اللائحة التنفيذية، الصادرة بتاريخ ١/ ٨/ ١٤٢٦ ه، انظر المادة السابعة عشر
[25] اللائحة التنفيذية، الصادرة بتاريخ ١/ ٨/ ١٤٢٦ ه، انظر المادة التاسعة عشر
[26] اللائحة التنفيذية، الصادرة بتاريخ ١/ ٨/ ١٤٢٦ ه، انظر المادة العشرين
[27] اللائحة التنفيذية، الصادرة بتاريخ ١/ ٨/ ١٤٢٦ ه، انظر المادة الحادية والعشرين
[28] أثر السرية المصرفية على مكافحة جرائم غسل الأموال دراسة تأصيلية تطبيقية مقارنة إعداد الطالب سعود ذياب العتيبي ص 126

[29] المادة السادسة و العشرون من نظام مكافحة غسل الأموال
[30] المادة السابعة والعشرون من نظام مكافحة غسل الأموال
[31] المواجهة الأمنية لعمليات غسل الأموال في المملكة العربية السعودية دراسة مقارنة إعداد عبد العزيز محمد إبراهيم العيسى ص 55/56
[32] المواجهة الأمنية لعمليات غسل الأموال ص 123
[33] المواجهة الأمنية لجرائم غسل الأموال 133
[34] المواجهة الأمنية لجرائم غسل الأموال 135
[35] المواجهة الأمنية لجرائم غسل الأموال 140
1- السياسة الشرعية تأليف تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية ص40 طبع ونشر وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد .
1- هو أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي ثم الدمشقي الحنبلي من فقهاء الحنابلة وأصوليهم ومجتهديهم البارزين وكان إلى جانب ذلك مفسراً ومتكلماً ونحوياً ومحدثاً ومشاركاً في علوم كثيرة . لازم الإمام ابن تيمية وأخذ عنه وسجن معه في قلعة دمشق توفي سنة 751هـ ودفن في سفح جبل قاسيون بدمشق .
من مؤلفاته :
(أعلام الموقعين عن رب العالمين ) و ( زاد المعاد في هدي خير العباد ) و ( إغاثة اللهفان من مكايد الشيطان ) و ( الطرق الحكمية ) وكتبه كثيرة تعد بالمئات .
راجع ترجمته :
1- الذيل على طبقات الحنابلة ( 2/447 ) .
2- والدرر الكامنة ( 5/137 ) .
3- وشذرات الذهب ( 6/168 ) .
4- ومعجم المؤلفين ( 9/106 ) .
2- الطرق الحكيمة في السياسة الشرعية لابن قيم الجوزية ص4 ، ط1 ، 1415هـ نشر دار الكتب العلمية بيروت .

ليست هناك تعليقات: